فحنى رأسه: آه. البعض يستثمر والبعض يبدد. وتنهد من الأعماق وتمتم: لعل الحياة قد لقنتك درسا مفيدا.
ولما ضاق بصمته قال له: اذهب إلى أمك.
41
وسرعان ما انطفأ الأمل الضعيف الذي ساور شمس الدين. أفاق من عاطفة الأبوة الملتاعة التي اجتاحته. رأى العناد والاعوجاع والسفه في صورة جديدة من قوة شرسة متحجرة. ومع ذلك لم يستسلم لليأس فقال له برقة: إلى العمل يا بني. درب نفسك على إدارة ما ستكون صاحبه غدا.
وشجعته نور الصباح بحنانها وتوسلاتها. أما سماحة فقد أبى العمل كسواق، فأبقاه أبوه معه في الحظيرة مشركا إياه في صميم عمله. غير أنه تململ وغالى في طلب النقود. ولم يعد في وسع الأب أن يعامله كغلام، فراح يسهر في البوظة والغرزة وبيوت الدعارة، متجاهلا صاحبته الأولى كريمة العنابي.
وقال له شمس الدين بحضور أمه: خير ما تفعل أن تتزوج.
فقال ساخرا: لا توجد بنت جديرة حقا بحفيد الناجي العظيم.
فسأله أبوه: هل تدرك ما يعنيه اسم الناجي؟
فقال بقحة ما بعدها قحة: معناه التفرد بالمعجزات مثل بناء مئذنة العفاريت!
فهتف شمس الدين مغيظا محنقا: إنك لمجنون!
Unknown page