وإن من أهم الأمور وأخطرها في عصرنا الحالي - وواقعنا الإسلامي على وجه الخصوص - هو ضرورة إزالة الالتباس الذي حدث في الفهم العام لحقيقة الإسلام والإيمان، بعد أن تجاذب الناس الطرفين الذين أشرنا إليهما في هذا السياق، فمن قائل إن الإسلام الكلمة، وإن من نطق بالشهادتين فهو المسلم عند الله تعالى لا يضره بعد ذلك عمل كائنًا ما كان، ومن قائل أن الأعمال كلها - فرضها ونفلها - داخلة في الحد الأدنى للإسلام فمن ترك منها شيئًا - فرضًاأو نفلًا - أو أتى محرمًا أو مكروهًا مع علمه به، كفر بالله والعياذ بالله.
وكلا القولين هو من نتاج ذلك الفهم الأعوج الذي ذكرناه، وستكون قضيتنا الأساسية هنا هي قضية من أخطر قضايا الفكر الإسلامي، وهي "دخول الأعمال في الإيمان ولزوم جنسها لصحته، والقدر المطلوب منها ليصير الرجل مسلمًا، وما يجب أن يفعل، وما يجب أن يترك ليحقق إسلام المرء ظاهرًا وباطنًا".
وهي القضية التي تميعت في عقول الناشئة من "دعاة الإسلام" في هذا العصر، حيث خلطوا في النصوص أو اتبعوا المنهج الأعوج في الفهم، فخرجوا إلى نتائج شابهت في كثير منها ما خرجت إليه الفرق التي شذت عن أهل السُّنَّة والجماعة في مختلف العصور.
كما سنناقش بالدليل الشرعي المدعم بالنصوص الثابتة كلًا من الفريقين المفرّطين والمفرطين الذين قال عنهما ابن تيمية بحق "أن معرفة أدلة كل منهما لا تفيد إلا في هدم مذهب الآخر".
وقد قال بعض السلف: "ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط. وإما إلى مجاوزة، وهي الإفراط ولا يبالي بأيهما ظفر زيادة أو نقصان" (١) .
وبعد:
_________
(١) مدارج السالكين لابن القيم ج٢ص١٠٨.
1 / 7