الثاني: أن إطلاق لفظ الكفر في القرآن الكريم يختلف عن إطلاقه في السُّنَّة الشريفة، فهو في القرآن الكريم يأتي بمعنى الكفر الأكبر الناقل عن الملة، وذلك لأن الله تعالى ينبه في القرآن الكريم على أعلى درجات الكمال في الإيمان، وعلى أخس درجات الكفر والباطل، ليكون المؤمن حريصًا على اللحاق بهؤلاء، حريصًا كذلك على البعد عن أولئك الكفار، وقد تقررت القاعدة الأصولية بناء على استقراء النصوص القرآنية بهذا المعنى. فقال الشاطبي: " ... فكان القرآن آتيا بالغايات تنصيصًا عليها، من حيث كان الحال والوقت يقتضي ذلك، ومنبهًا بها على ما هو دائر بين الطرفين.
وقد روى في هذا المعنى عن أبي بكر الصديق في وصيته لعمر بن الخطاب عند موته حين قال له: "ألم تر أنه نزلت آية الرخاء مع آية الشدة، وآية الشدة مع آية الرخاء، ليكون المؤمن راغبًا راهبًا، فلا يرغب رغبة يتمنى فيها على الله ما ليس له، ولا يرهب رهبة يلقى فيها بيده إلى التهلكة، أو لم تر يا عمر أن الله ذكر أهل النار بسئ أعمالهم، لأنه رد عليهم ما كان لهم من حسن، فإذا ذكرتهم قلت: إني أخشى أن أكون منهم. وذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم، لأنه تجاوز لهم عما كان لهم من سئ، فإذا ذكرتهم قلت: إني مقصر، أين عملي من أعمالهم" (١) .
(١) "الموافقات" للشاطبي جـ ٣ ص ١٤٠، المسألة في الأوامر والنواهي.
1 / 151