122

Ḥaqīqat al-īmān

حقيقة الإيمان

Genres

٤- وأن الآيات التي وردت في القرآن الكريم كلها تفيد أن مغفرة الله ورحمته مرتبطة بالتوبة من الذنب أو المعصية، فإن لم يتب منها فهو غير مغفور له لا محالة، فيدخل بها النار خالدًا فيها ويكون بذلك كافرًا.
واستدلوا بالنصوص التي سبق أن أوردناها للاستدلال على المرجئة، ولكن جعلوا عدم المغفرة للذنب مستلزمًا لكفر العاصي والتخليد في النار، على العكس من قول أهل السُّنَّة الذين جعلوا ذلك مستحقًا للعذاب ولكن إلى أجل مسمى يخرج بعده من النار إن كان من الموحدين.
وسنبين إن شاء الله تعالى فساد هذا الأدلة التي أوردوها (١)

(١) ونريد أن نبين أن ما أوردناه من شبهات للخوارج - قديمًا وحديثًا - هي شبهاتهم التقليدية التي درجوا عليها في كل عصر وحين. إلا أن هناك بعض الشبهات الأخرى التي لم نتعرض لها حيث أنه لا مجال لبحثها هنا في هذا المبحث. ومن أمثلة ذلك اعتبار بعض فرقهم أن "الجماعة" شرط في صحة الإسلام، وأنها ركن من أركان الإسلام فمن ترك "الجماعة" فقد كفر - على مذهبهم في تكفير العاصي - لقوله ﷺ: (فمن ترك الجماعة قيد شبر خلع ربقة الإسلام إلى أن يرجع)، وقصروا الجماعة المعنية في الحديث على أنفسهم، فمن لم يلتزم جماعتهم فقد كفر بزعمهم، وأبيح دمه وماله وعرضه! حتى وإن هذا كان من أتقى الناس وأكثرهم إخلاصًا في الدعوة إلى الله تعالى، فصدق فيهم قول رسول الله ﷺ: ".. يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان" وكما قلنا فإن مثل هذه الشبهات ليس محلها هذا المبحث، وإنما أردنا أن ندلل على أنه ما من رأي ذهبوا إليه إلا وهو معروف ومردود عليه بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأما عن معنى الجماعة في الحديث فقد فسرت بعدة تفسيرات منها أنها أهل الحديث، ومنها أنها العلماء، ومنها أنها السواد الأعظم، إلى غير ذلك من تفسيرات.
وإنما هم قد بنوا قولهم ذلك على أن كل من عداهم من الناس فهم من الكفار، وعلى هذا فمن لم ينضم إليهم كان ولابد مخالفًا لهم في الرأي أو مواليًا للكفار على أقل تقدير، فصار كافرًا كذلك، ولا يخفى ما في هذا من زيف أكيد، فهو رأي قد بنى على افتراض خاطئ من أساسه، وإنما الحديث معهم عن صحة ادعائهم في كفر من عداهم من الناس أساسًا، فإن ثبت أن ما ذهبوا إليه إنما هو البدعة المنكرة التي حذر منها رسول الله ﷺ سقطت مثل تلك الشبهات تلقائيًا، وهو ما سنحاوله بعد إن شاء الله تعالى.

1 / 122