Haqiqa
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Genres
ذهب السير «وليم طمسن» الإنكليزي إلى أن الجواهر الفردة إنما هي زوابع حلقية في الأثير أو الهيولي، قال ورتز: «وقد شاع في هذه الأيام مذهب يبين فيه بالبرهان كيف أن الجوهر الفرد لا يقبل القسمة، بل كيف أنه ذو وجود مستقل أزلي أبدي، وهو مذهب السير وليم طمسن في الجواهر الزوبعية، قال: فالعالم على رأي طمسن مؤلف من سائل تام الاتصال، مالئ للخلاء، ومن هذه الحلقات الزوبعية المنتشرة فيه، وهي ليست سوى أجزاء هذا السائل المتحركة فيه حركة زوبعية، وكل حلقة منها محدودة ومتميزة عن نفس السائل وعن الحلقات الأخرى أيضا، لا بجوهر مادتها، بل بجرمها وحركتها. وهذه الخصائص تبقى إلى الأبد، والحلقات المذكورة هي الجواهر الفردة.»
فالجواهر الفردة كما ترى وإن تكن متماثلة في الذات، لكنها مختلفة في الصفات، وهي كذلك لا أنها لا تقبل القسمة، الأمر الذي لا يعقل، كلا وإنما لو انقسمت لزالت خصائصها الجوهرية، فهي كالهيولي تقبل القسمة فرضا لا فعلا؛ لأن الهيولي لا تقسم فعلا مع أنها ذات امتداد، وإلا لزم أن يقسم جسم متصل مالئ للخلاء لا فراغ حوله ولا مسامية فيه، وذلك مستحيل فعلا. والجواهر من حيث إنها ذات خصائص معينة لا تنقسم مع بقاء هذه الخصائص فيها، كما أن الكريات الحية لا تقبل القسمة طبيعيا لا حيويا مع بقاء خصائصها كما هي، وبهذا الاعتبار تكون الجواهر الفردة للعوالم كالكريات الحية للحي.
فهذه المعلومات ليست من أوهام الماديين، بل نتيجة اجتهاد فحول الفلاسفة الطبيعيين والكيماويين، فمن أي الكيماويين يطلب صاحبنا أن يعجبوا: من قول سبنسر، أم من أيهم يطلب أن يطالبوا بخنر بما أفسد من عباراتهم؟ أيلزم من تماثل الذات تماثل الصفات، أم هل تزول نسب التركيب المعينة، أم لا تبقى أعداد التركيب كاملة، فمذهب الجواهر المتماثلة في الذات لا ينقض المذهب الجوهري لدلتون ولا يفسده، وإنما يعتبر تأييدا له وتوسيعا، قال ورتز: «إن مذهب الجواهر الزوبعية تتضح به بعض خصائص المادة وكل الأقوال في طبيعة الجواهر الفردة، ويظهر أنه أقرب المذاهب إلى الحقيقة.» نقول: وإن كان للعلم قيمة صحيحة؛ فلا يسعنا أن نترك آراء مثل هؤلاء العلماء، التي هي نتيجة اجتهاد العلم، ونتمسك بآراء سواهم التي هي نتيجة الحرص، فاقتداؤنا بهم كاقتداء غيرنا بسواهم، ولا فرق بيننا إلا فرق المنتقل عن الواقف.
الفصل الثالث
في وحدة العناصر والقوى
ذهبوا إلى أن الجواهر الفردة متماثلة في الذات، مختلفة في الصفات، وأنها متحركة وشكلها متغير، ولا يخفى أن العناصر التي وصفها الكيماويون تبلغ نحوا من ستين عنصرا، وإذا تأيدت اكتشافات السبكترسكوب فربما بلغت 73 عنصرا، وقد اعتبروها بسيطة، ومن اتحاداتها المختلفة تتألف الأجسام المختلفة. واجتهدوا أولا في تعيين صفاتها التي تمتاز بها، ثم ما لبثوا أن تساءلوا عما إذا كانت هذه العناصر بسيطة حقيقة، أو كان لها صفات مشتركة تجمعها وتردها إلى أصل واحد، فربما كان الكيماويون الأقدمون مصيبين في بحثهم عن تحول المعادن.
فقام دوماس - وهو من أكابر علماء الكيمياء في هذا العصر - وقرر أولا أنه يمكن ترتيب هذه العناصر صفوفا تتفاعل كيماويا تفاعلا واحدا، وقد بين تبعا لرأي بروست أن أوزانها الجوهرية أعداد كاملة، كأن جواهر العناصر المزعومة بسيطة هي بالحقيقة مركبة من أعداد مختلفة من هذه الأجزاء المتماثلة، ولا تختلف فيما بينها إلا بعدد هذه الأجزاء فقط، ثم أشار مندلف ولوثار ماير إلى نسب شديدة بين الأوزان الجوهرية للعناصر وصفاتها الخاصة، وقالا بوجود خلل في جدول هذه العناصر، وقد تنبآ بأن هذا الخلل لا بد من أن يسد، ووصفا العناصر التي تنقص والتي يلزم اكتشافها.
وقد اتصل لكوك الكيماوي إلى نتائج شبيهة بتلك بعد درس الحل الطيفي لهذه الأجسام البسيطة؛ أي درس طبيعة النور المنبعث عنها وهي مشتعلة. وقد جاء اكتشاف الغاليوم له والسكنديوم لغلاف مصداقا على صحة هذا الإنباء العلمي، ثم إن لوكير لاحظ في طيف بعض البسائط كالكلسيوم والفسفور انقساما يدل على بداية انحلال، فترجح لهم أن الأجسام المزعومة بسيطة ليست أنيات مستقلة، بل إنها ربما كانت صورا مختلفة لمادة واحدة هي الهيولي الواحدة وغير المتلاشية كالأثير.
وقد تقوى هذا الترجيح بما كان قد علم من وحدة القوى؛ فلا يخفى أن القوى كانت عندهم في السابق متعددة؛ فالنور والحرارة والكهربائية والمغناطيس كانت تعتبر سوائل مادية مستقلة بعضها عن بعض تنفذ مادة الأجسام وتجتمع فيها على نسب مختلفة، والجاذبية والألفة الكيماوية والالتصاق كانت قوى تحرك دقائق هذه الأجسام، وبقي هذا القول معولا عليه في العلوم الطبيعية حتى قام رمفور وقال: ربما كانت الحرارة متحولة عن الحركة، ثم بين فرسنل أن النور حركة اهتزازية.
وكذلك بين ماير وجول وهرن وتندل أن الحرارة ليست سوى اهتزاز أجزاء المادة، وقد برهنوا أن الحرارة تتحول إلى حركة، والحركة إلى حرارة تبعا لقواعد معينة، ثم بين أمبر وحدة الكهربائية والمغناطيس، وبين سبك كذلك أنه يكفي إحماء نقطة ملتحم معدنين لتوليد مجرى كهربائي، ولا يخفى فعل الحرارة في توليد المغناطيس، والفرك في توليد الكهربائية، وتحولهما إلى نور وحرارة، ومن ثم إلى حركة. صار أمرا معروفا عاديا مستعملا في الصنائع وإنارة الطرق في المدن الشهيرة، فانتفى مذهب السوائل المادية من مدار العلم الطبيعي، وإذا ارتاب صاحبنا بصحة هذا القول فليراجع صفحة 11 و21 و65 و428، وخاصة 298 و299 من كتاب الدروس الأولية في الفلسفة الطبيعية، للفاضلة السيدة «ألن جكسن».
Unknown page