Haqiba Zarqa
الحقيبة الزرقاء: رواية عصرية أدبية غرامية
Genres
ثم جلس الشيخ على كرسي، وقال: رأيت هذا الشاب لأول مرة فلهف إليه فؤادي، وبعد حديث قصير عرفت أنه ابن أخت المستر هوكر؛ فرجحت أنه ابن المرحوم اللورد هركورت سميث سيدي القديم. فحثثته وقتها أن يبحث عن نسبه وقبل أن يمضي توسلت إليه أن يتوسط لدى خاله أن يستخدم ابني في منزله؛ ففعل وخدم ابني هناك حتى أمس، وقد سعيت إلى استخدامه عنده لا لأني في حاجة إلى ماهيته، بل لكي ينقل لي أخبار سيدي اللورد وعلاقته مع خاله، وقد أطلعته على السر وأخبرته حكاية فراري وتغيير اسمي، ولا بد أن يكون اللورد إدورد قد رواها لكما، وبالفعل كان ابني ينقل لي كل أسبوع أخبار بيت المستر هوكر.
وقد علمت من هذه الأخبار أن المستر هوكر لا يعلن الأوراق التي تثبت نسب سيدي اللورد ما لم يتزوج اللورد ابنته، وعلمت أن اللورد يأبى أن يتزوجها؛ فصرت أخاف أن المستر هوكر يتلف الأوراق لكي يبقى نسب ابن أخته مجهولا إذا يئس من إقناعه بتزوج ابنته، فحرت في أمري ماذا أفعل لكي أسرق ذلك الورق؛ لأني لم أكن أعلم أين يودع، وأخيرا مر بي سيدي اللورد أول أمس، ومن حديث لحديث فهمت منه أن الأوراق محفوظة ضمن حقيبة جلد زرقاء صغيرة توضع في الجيب، وأن الحقيبة مودعة في درج مكتب المستر هوكر، فذهبت بعد مضي سيدي اللورد إلى بيت المستر هوكر واستدعيت ابني إلى خارج المنزل، وأخبرته عن موضع الأوراق وعلامة الحقيبة، وألححت عليه أن يجد وسيلة لاستراق تلك المحفظة.
أما ما كان من ابني فإنه كان يلاحظ أن المستر هوكر لا ينزل من البيت في الصباح ما لم يجلس إلى مكتبه ويقلب في أوراقه ويكتب ويقرأ؛ فراقبه في صباح الأمس حتى لاحظ أنه جالس إلى مكتبه وقد فتح الدرج، ومن حسن المصادفة رآه يقلب المحفظة بين يديه، وكان يعلم أنه يحب كلبه جدا ويدلله ويعنى به، فأخذ هنري قليلا من الفلفل الأحمر الحار (الشطة)، وفرك به شفتي الكلب وأنفه، وكان مستعدا لهذا العمل منذ المساء السابق متوقعا الفرصة المناسبة، فتهيجت شفتا الكلب جدا والتهب؛ فصار يثب ويعوي حتى سمع المستر هوكر عواءه، فخرج من غرفته مبغوتا ليرى ما الخبر؛ فدخل ابني وفتح الحقيبة وأخذ ما فيها من الأوراق ووضع بدلها ورقا أبيض لكيلا تتراءى فارغة وأقفلها وردها كما كانت وعاد، ومن حسن الحظ أن المستر هوكر طرده من خدمته على أثر الحادثة.
فبهت الجميع لهذه الحكاية وضحكوا، وأما المستر هوكر فقال: عجيب! لم يخطر لي وأنا متحير لفقدان الأوراق أني تركت الدرج مفتوحا والحقيبة والأوراق منثورة على المكتب، وهرعت إلى الكلب لأرى ما أمره؛ ذلك لأنه لم يكن ليلوح في بالي أن أحد الخدم يجسر أن يدخل إلى غرفتي، ثم ماذا يا مستر برون؟ - عفوك يا مولاي، إننا فعلنا ذلك لغاية حسنة. - لا بأس يا مستر برون، لست ألومك على ذلك. أتم قصتك.
فاسترسل المستر برون في حديثه: ولما صارت الأوراق في يدي عقدت النية على أن أدفعها للورد إدورد، فذهبت في هذا الصباح إلى الفندق الذي ينزل فيه فلم أجده هناك، فقلت: لا بأس أعود إليه بعدئذ، ثم خطر لي أن أذهب إلى منزل المستر هوكر بحجة أن أسأل عن سبب طرد ابني، ولكن قصدي أن أستفهم بأسلوب خفي عما إذا كان المستر هوكر قد علم بسرقة الأوراق، ولما وصلت إلى المنزل سألت الخدم عن سيدهم قالوا: «أتى المستر إدورد إليه في هذا الصباح لأمر مهم، ثم سمعناهما يقولان هلم إلى قصر كنستون»، فخطر لي حينئذ أن آتي إلى هنا لأرى إن كنتما هنا، ولأي سبب أنتما هنا لعلي أجد الفرصة مناسبة لعرض الورق، فوجدتها مناسبة والحمد لله.
وكان المستر هوكر واللايدي بنتن واللورد سميث يسمعون حكاية المستر برون، ويبهتون حتى انتهى فضحكوا من هذه الحيلة، وأعجبوا بحرية ضميره في الرواية، وبرروا عمله لحسن غايته وأثنوا على غيرته.
ثم تناولت اللايدي بنتن الأوراق وفضتها، فوجدت كتابة القسيس التي تثبت صحة عقد الزواد، وإمضاءات العريسين والشهود، وكتابة أخرى تثبت عماد اللورد إدورد سميث بإمضاء القسيس وإمضاء أبيه، وكتابة أخرى من أبيه تثبت شخصيته بدليل علامة الوشم، ثم رآها إدورد واحدة واحدة، وكان يتهلل وجهه فرحا وسرورا.
الفصل الثالث والعشرون
يد بيد
عند ذلك وقفت اللايدي بنتن وتقدمت نحو اللورد إدورد، فنهض في الحال وتقدم إليها، فممدت إليه يدها فقبلها وكان وجهها يطفح سرورا، وقد انقشعت غياهب الخيلاء عن محياها، وتراءت أودع من الحمامة، وقالت له ودمع الفرح يطفر من عينيها: لا أقدر أن أصف لك يا حبيبي إدورد سروري الآن - فخفق قلب إدورد عند سماع هذه الكلمة - سرور يقابل حزن عشرين سنة قضيتها في الحسرات على أبيك؛ ذلك لأني أعتبر أن الله رد لي أخي في جسم ابنه، فلك الآن عندي معزة الأخ وابن الأخ، وأزيد أيضا معزة الصهر؛ لأني أعرف الحب الشديد المتبادل بينك وبين لويزا ابنة عمتك، وأنا أعتبر أنك كنت تستحق يدها بلا لقب، فكيف وأنت الآن شريف وقريب بل ابن؟ وإني لأفخر بك يا حبيبي إدورد بما رأيته من ارتقائك السريع العجيب في الهيئة الاجتماعية، وعلى الخصوص في السياسة والصحافة، وآمل أن ارتقاءك لا يقف عند هذا الحد، بل يستمر إلى أن يتم لك كل متمنى. ثم إني أشكر عناية خالك المستر هوكر الذي رباك وعلمك لكي تكون أهلا للقب سميث الشريف، بل إني أهنئه بك لأنك ابن أخته كما أنك ابن أخي.
Unknown page