Haqiba Zarqa
الحقيبة الزرقاء: رواية عصرية أدبية غرامية
Genres
كثيرون من الوالدين يرتكبون غلطة المستر هوكر نفسها، ولا يندر أن تفضي هذه الغلطة إلى نتيجتين وخيمتين: الأولى أن الفتاة تخلع برقع الحياء وتتبذل إلى أن يخشى من تهورها، والثانية أن الفتاة كقطعة مغنطيس ذات طرف جاذب وطرف دافع، فجاذبيتها في حشمتها وتعففها، ودافعيتها في تحببها وتبذلها. وكلما ألوت الفتاة إلى الشاب ابتعد عنها، ومهما سعت وراءه لا تقدر أن تناله؛ وبالعكس كلما أعرضت عنه اقترب منها حتى إذا رضيت نالها.
الفصل الثالث
شقيقة لا عشيقة
في مساء ذلك النهار عاد المستر إدورد سميث من أيدنبرج إلى بيت خاله المستر هوكر، وفي يده شهادته العلمية، وفي صدره آمال وفيرة، وفي قلبه جذوة حب؛ فاستقبلته أليس بثغر بسام، وتلاثما تلاثم الأخوين، وتقدما إلى غرفة المستر هوكر، فرأى إدورد خاله مستلقيا على سريره، فقبل يده وذاك قبله قبلات الأب الحنون، وفي مقلتيه دمعات فرح وسرور، وعلى محيا إدورد تهلل وبشر. - لقد ساءني جدا خبر مرضك أيها الخال العزيز. - لا يسؤك يا حبيبي فإنه عرضي، والحمد لله. - كيف ترى نفسك اليوم؟ - بأفضل حال، والطبيب يقول: إن نوبة الحمى الأخيرة كانت نتيجة فعل الكينا الذي أخذته، ولي الأمل أن تكون هي النوبة الأخيرة، وغدا أو بعد غد أخلي السرير. - أشكر الله على سلامتكم يا سيدي. - أهنئك يا بني بشهادتك وبما قدرته لك من ثناء القوم على قصيدتك البديعة، وبينما كنت تلقيها في محفل جامعة كمبردج كانت أليس تلقيها علي هنا ، وقلبي يشترك مع المحتفلين هناك بتصفيق الاستحسان.
فحنى إدورد رأسه حنية التواضع والحياء، واستمر المستر هوكر في إطرائه له. - بل نهنئ أنفسنا بك أيها الحبيب، ونتمنى لك مزيد الارتقاء والنجاح، وأسأل الله أن يوفقك في مستقبلك القريب، الذي أتوقعه لك سعيدا مجيدا إن شاء الله.
وكانت عينا المستر هوكر مغرورقتين بدمع الحنان والانعطاف، وعينا إدورد تجاوبهما بدمع أفيض من دمعه. - لا أعجب أن أسمع منك يا سيدي هذا الدعاء القلبي، وأنت مني في منزلة الأب الحقيقي العطوف، ألست أنت الذي ربيتني وعلمتني؟! وهل أعرف أبا سواك؟! فلا بدع أن تسر بأن تراني راقيا ناجحا. وأسأل الله أن يقدرني على أن أكون لك ابنا طائعا بارا. - بل أسر يا حبيبي بأن أرى ثمرة لغرس يدي، وأتحقق أن عنايتي بك لم تذهب سدى.
وبعد حديث هنيهة قرع خادم المائدة الجرس المؤذن بالعشاء، فقام إدورد وأليس إلى المائدة وجلسا إلى الخوان متقابلين، وبعد هنيهة ابتدأت أليس بالحديث قائلة: أسفت جدا يا إدورد على أني لم أستطع أن أترك أبي تحت فعل الحمى وأحضر الحفلة في كمبردج. - وأنا أسفت جدا وتكدرت لمرض خالي، ولا سيما في هذا الوقت الذي كنت أشتهي فيه أن أراكما في تلك الحفلة الزاهرة مع من رأيت من أهل أقراني الذين كانوا يصفقون لهم عند تناول شهاداتهم. - هل افتكرت في يا إدورد وأنت تفتخر بمجدك اليوم؟ - أتشكين بذلك؟ - كلا. لا أشك لأني أذكر الآن جيدا أني لم أفتكر بسواك يوم نلت شهادتي في السنة الماضية، ولكن شتان بين يومي ذاك ويومك هذا وبين شهادتي وشهادتك.
وكان إدورد يسمع هذا الثناء ويعجب بنفسه، ويعجل في تناول الطعام ومضغه وازدراده على غير انتباه كأنه يتم واجبا عليه، وذلك لأن خمرة الفوز أسكرته. - كنت أتمنى جدا يا أليس أن تكوني بين الجمهور، وتري إعجابهم بابن عمتك، وتسمعي إطراءهم له. - إذن افتكرت بي كثيرا؟ - أليس افتكاري بك طبيعيا؟! - إذا كنت قد افتكرت بي الافتكار الطبيعي، فكأنك لم تفتكر إذن. - عجيب. ماذا تعنين؟ - أعني أنه ليس بدعا أن تفتكر بي، وتود أن أكون مع من كان في الحفلة لأني ابنة خالك وكلانا ربينا في ظل بيت واحد، فافتكارك بي على هذا النحو ينتظر من كل واحد حاله مع قريبته كحالك الظاهرة معي، ولكن سؤالي هو: هل افتكرت بي أكثر من المنتظر؟ - افتكرت بك يا أليس كثيرا، ومهما كثر افتكاري بك فهو المنتظر، ألا ينتظر مني أن أفتكر بك كل الافتكار؟ - نعم نعم، إذن لا تزال تحبني؟ - وهل يمكن أن تنقضي محبتي لك؟!
فضحكت أليس قائلة بلهجة الهازلة: قلت في نفسي: لعلك صادفت من يشغلك عني!
فوجم إدورد عند هذه العبارة، والتهبت وجنتاه إذ خطرت له في الحال مس لويزا بنتن، وكاد يبدو اضطراب منه يفضح أعراض سره. - هبي أني صادفت سواك يا أليس فهل تبطل محبتي لك؟ هل أنسى عشرة أو عشرين عاما؟ وهل أنسى رسائلك لي ونحن في المدارس؟ هل أنسى أيام تنزهنا في قرى الريف؟ ما الداعي لارتيابك في حبي؟ هل رأيت في تغيرا؟! - كلا ليس التغير فيك يا إدورد بل في. - أتغيرت أنت علي؟ - نعم، تغيرت ولكن ليس عليك. - كيف ذلك؟ - صرت أشد حبا لك يا إدورد.
Unknown page