وفي عهد شاهجهان أقيمت أشهر مباني المغول فنذكر منها تاج محل ومسجد اللؤلؤ بأغرا والقصر والمسجد الكبير بدهلي، إلخ.
وخلف أورنغ زيب أباه شاهجهان في سنة 1658 فدام ملكه إلى سنة 1707، فكان يقيم بأغرا تارة وبدهلي تارة أخرى، وفاق أباه قلة تسامح تجاه الهندوس، وأدى بتعصبه إلى سقوط الدولة المغولية بالهند، وذلك أنه قضى على مملكة بيجابور ومملكة غول كوندا الإسلاميتين في الدكن فقضى على الحاجز الأخير القائم أمام أعدائه الذين كان المراتها أهمهم، فأعد بذلك انحلال دولته العظمى، فنحن لو عددنا أهمية الدولة بنسبة اتساعها لقلنا إن الدولة المغولية بالهند بلغت الأوج في عهد أورنغ زيب، غير أنه كان ينطوي تحت هذا الاتساع بذور الانحطاط التي لم تلبث أن محقتها، فهي لم تعش، بالحقيقة، بعد الملك الذي رفع شأنها.
دام العصر الإسلامي الذي أجملنا تاريخه بما تقدم نحو سبعمائة سنة، ولم تكن وحدة الهند في معظم هذا العصر الطويل الذي امتد إلى زمن أورنغ زيب في غير الظاهر، فقد أقام ولاة المسلمين ممالك مستقلة كمملكة غور ومملكة غولكوندا ومملكة بيجابور وغيرها من الممالك التي لا نرى البحث في أمورها؛ فالحق أن الهند لم تصبح قبضة سيد واحد إلا في أيام أورنغ زيب، وذلك لوقت قصير.
شكل 1-4: سانجي. منظر باب بعيد قليلا من المعبد المقبب «يبلغ مجموع ارتفاعه خمسة أمتار و25 سنتيمترا.»
لم تدم تلك الدولة الموحدة زمنا طويلا، فكان موت أورنغ زيب نذير انهيارها، فلم يكد أورنغ زيب يتوفى حتى وقعت الهند في الفوضى العميقة، فأخذ المراتها والأفغان والسك والجات والراجبوت وأمراء مسلمون يتلهون بالنهاب وباقتطاع ممالك مستقلة من الجثة الضخمة، فلم يبق لخلفاء أورنغ زيب الضعفاء سوى سلطة اسمية، واسترد الدكن استقلاله، فأنشأ الوزير نظام فيه دولة لا تزال قائمة باسمه حتى الآن، واتخذ مدينة حيدر آباد عاصمة لها.
وفي سنة 1739 أغار شاه الفرس نادر على دهلي فغصب جميع ما جمعه المغول من الكنوز، فآب بغنائم تقدر بأكثر من مليار فرنك، وفي سنة 1747 استولى الأفغان على لاهور والبنجاب، واغتنم المراتها الفوضى فنزعوا من الدولة أجمل ولاياتها.
ولم يكن زوال ملك المغول كله وليد يوم واحد، فقد ظل جالسا على عرش دهلي حفدة أولئك الملوك 150 سنة أخرى، بيد أن سلطانهم أصبح اسميا بالتدريج، فكانت خاتمة أمرهم أن أضحوا موظفين لدى الإنجليز، ولما أسر آخرهم في سنة 1857 كان سلطانه أقل من ظل في المدينة التي كانت مقرا لآبائه.
ونعد غزوات المراتها من أقوى الأسباب في سقوطها دولة المغول بعد موت أورنغ زيب وتقسيمها إلى عدة ممالك، ونكاد نسدل على هذه الغزوات ثوبا من النسيان لو كانت غارات انتهاب كالتي قام بها الفرس والأفغان، لا مغازي فتح، فقد كان المراتها يجمعون الهند بأسرها تحت سيادتهم لو تم لهم النصر، فترى الهند نفسها إذ ذاك قبضة الهندوس لأول مرة منذ قرون كثيرة، فيتطلب الفتح الأوربي حينئذ جهودا غير التي اقتضاها.
وكان المراتها يسكنون المنطقة المعروفة قديما بمهاراشترا والواقعة في الشمال الغربي من الدكن وفي جنوب ولاية بمبي الحاضرة مبتدئة من جبال ساتبور، وتجوب تلك المنطقة الجبلية فروع من جبال كهات وجبال وندهيا فكان يقيم بها أناس جبليون لم يخضعوا للمسلمين إلا ظاهرا.
بدا المراتها أعداء أشداء للدولة المغولية في سنوات أورنغ زيب الأخيرة، فما أظهره هذا الملك من قلة التسامح حملهم على شق العصا، فجمع الأفاق شيواجي المولود في جواربونا جيشا من الأتباع، بعد أن قضى عمرا في قطع السابلة، فاستطاع أن يقتطع مملكته التي لم تشتمل على غير جزء من مملكة بيجابور في بدء الأمر فلم يلبث أن وسع رقعتها في معظم جنوب الهند، فمات أورنغ زيب قبل أن يقهره مع ما قام به من الحروب الطاحنة.
Unknown page