ولا تمت أسود تلك الفسقية إلى أي حيوان بوجه شبه حقيقي، فهي ناقصة الشكل نقصا قصده المثالون الذين أرادوا بها نوعا من الزينة.
ويكاد زائرو الحمراء لا يصدقون، أول وهلة، أن زخارف جدرانها منقوشة على الجص، لا على الحجارة، كما هو الأمر في القاهرة والهند، ويرى أولئك الزائرون الذين يتأملون قرن تلك الزخارف وسطها الأملس المصقول أن من المستحيل ألا تكون منقوشة على الرخام، ولم أر أنها من الجص إلا بعد أن حلل لي أحد أعضاء المجمع العلمي، مسيو فريدل، قطعة صغيرة منها.
والجص الممزوج بقليل من المواد العضوية هو، إذن، ما صنعت منه جميع نقوش الحمراء، ولا نستطيع سوى الاعتراف بإتقان صنع ذلك الجص الذي قاوم تقلبات الجو خمسمائة سنة من غير أن يفسد، ولا أعتقد أن مهندسا أوربيا في الوقت الحاضر يمكنه أن يعاهد على صنع نوع من الجص يستطيع أن يدوم مثل هذا الزمن الطويل بلا عطب.
ولا يستدل على بقاء جدر الحمراء بملاءمة جو إسپانية لها ما تطرق الفساد إلى أجزائها التي رممت بعد إجلاء العرب بزمن طويل، ويعرف هذا الفساد، بسهولة، من انثلام تلك الأجزاء المرممة وانخفاضها وانتفاخها.
وقص جميع رجال الفن الذين زاروا قصر الحمراء العجيب، والألم ملء قلوبهم، ما لا يكاد العقل يصدقه من أنباء التخريب الفظيع الذي أحدثه الإسپان فيه، فقد هدم شارلكن قسما مهما منه لينشئ في مكانه بناء ثقيلا، وعدته جميع الحكومات الإسپانية مجموعة من الخرائب القديمة التي لا تنفع لغير الاستفادة من موادها، قال مسيو دڨليه في كتابه عن إسپانية: «لقد بيعت ألواح الميناء التي كانت تزين رداه الحمراء منذ بضع سنين لصنع الملاط، وبيع باب مسجدها البرونزي كنحاس عتيق، وحرقت منها أبواب ردهة بني سراج الخشبية الأنيقة كما يحرق الحطب، ثم اتخذ من رداهها الجميلة سجون للمجرمين ومخازن للميرة بعد أن بيع ما أمكن نزعه منها.»
وأراد الإسپان تطهير جدران الحمراء المزينة بالنقوش العربية الجميلة، فكسوها طبقة كثيفة من الكلس، ويظهر أن التكليس الذي تساوى في حبه الإسپان والإنكليز هو مما يرغب فيه بعض الشعوب المتمدنة التي لا ترى ما هو أطيب منه للزينة،
4
وهو مما يروق بالتدريج أولئك الأوربيين الذين يرون فيه مظهرا للمساواة ووحدة الشكل المبتذلة.
شكل 6-21: قصر شقوبية (من صورة فوتوغرافية).
ولما يمض زمن طويل على تذمر المتفنين من تخريب قصر الحمراء، ونزع أولو الأمر من الإسپان إلى المحافظة على ما بقي من هذا القصر الساحر بعد أن قيل لأهل غرناطة، غير مرة، إنهم يملكون به إحدى العجائب التي تجلب إليهم السياح من كل جانب، فأزيل شيء من الكلس الذي سترت به تلك النقوش العربية، وبدئ بالترميم، والإسپان عاملون على ذلك ببطء لعدم وجود عمال في إسپانية قادرين على إنجاز هذا الترميم الذي يسهل أمره عند النظر إلى النماذج.
Unknown page