168

Hadarat Carab

حضارة العرب

Genres

شكل 6-20: جزئيات نافذة في قصر الحمراء.

وإذا ما نظر المرء إلى الحمراء من أسفل الصخور التي تتوجها رآها أبراجا مربعة ذات ألوان قرمزية يناطح أعلاها السحاب، ويسفر أدناها عن نبات أخضر كثيف، وإذا ما مر المرء من تحت الأشجار التي تحف بها وسمع تغريد الطيور التي عليها وخرير الماء الذي يجري في السواقي والقنوات القريبة منها، فدخل ذلك القصر الشهير رأى ما تغنى به الشعراء، ولا سيما صاحب المشرقيات (ڨكتورهوغو) الذي أنشد قائلا:

أيتها الحمراء! أيها القصر الذي زينتك الملائكة كما شاء الخيال، وجعلتك آية الانسجام! أيتها القلعة ذات الشرف المزخرفة بنقوش كالزهور والأغصان والمائلة إلى الانهدام! حينما تنعكس أشعة القمر الفضية على جدرك من خلال قناطرك العربية يسمع لك في الليل صوت يسحر الألباب.

ويتعذر وصف الحمراء بوصف دقيق، وقلم الرسم وحده هو الذي يستطيع ذلك، وهو ما نستعين به، وما نشرنا في هذا الكتاب من صور للحمراء يغني عن كل ما يمكن قوله.

وكل ما في قصر الحمراء عجيب، والمرء يقضي العجب من جدرانه المزينة بالنقوش العربية الأنيقة المحفورة المفرضة وأقواسه المصنوعة على رسم البيكارين، وقبابه ذات الزخارف الساحرة المتدلية (المقرنصات) المطلية فيما مضى باللازورد والأرجوان والإبريز.

ولا تشابه الحمراء قصور أوربة مطلقا، شأن كثير من القصور العربية، فهي عاطلة من المقدم، وتنحصر زخارفها في داخلها الذي نرى كل شيء فيه عجيبا، وإن كان صغيرا، وليس فيها رداه فخمة مملة باردة مثل رداه قصورنا الأوربية رسمت ليعجب بها الزائرون، لا لتلائم ساكنيها.

ويمكننا أن نتمثل حياة ملوك العرب عند النظر إلى الحمراء؛ فالعين لا ترى من نوافذها غير آفاق لا نهاية لها، وهي تثير ذكريات ما كان يحدث في رياضها الغن التي كانت حظايا ملوك غرناطة، وقد كن من أجمل غواني الغرب والشرق، يتفيأن في غياضها ويتنسمن شذا أزاهرها النادرة.

وكان يحف بصاحب تلك العجائب جمع من المتفننين والعلماء والأدباء الذين كانوا أعلام ذلك العصر، وكان لذلك الصاحب أن يعد الملوك الآخرين من الحاسدين له، وكان له أن يكتب على باب قصره كما صنع ذلك الملك الهندي الذي حكت عنه القصة: «إن كان في الأرض فردوس فهو هذا!»

واشتهر أهم أقسام قصر الحمراء بفضل الفوتوغرافية والرسم، فذاع صيت قاعة الأسود وغرفة الأختين وحجرة بني سراج وردهة العدل، والقارئ الذي ينعم النظر في الصور التي نشرناها عن تلك الأقسام في هذا الكتاب يرى أنها ليست دون شهرتها، وانتهت الشهرة إلى قاعة الأسود على الخصوص، قال جيرول دوپرانجه: «يعجز الإنسان عن بيان ما يشعر به حين يمر من قاعة البركة، ويدخل قاعة الأسود فيرى فيها الأروقة التي تزينها الأقواس المنوعة المزخرفة بالنقوش المزهرة والزخارف المتدلية والتخاريم التي كانت ذهبية ملونة، وتقع عينه على غابة من الأعمدة الهيف التي وضع بعضها منفردا وبعضها مزدوجا وبعضها مجتمعا على شكل بديع، فيبصر من خلالها التماع مياه فسقية الأسود المتدفقة.»

وتقول القصة: إن رقاب بني سراج الستة والثلاثين ضربت على تلك الفسقية، وتقول العامة: إنه يشاهد في كل ليلة طيف أولئك القتلى متوعدا متهددا.

Unknown page