كان أشبه بزعيم وطني نبت في شعب ممزق متخاذل واهي الروح؛ فوحد صفوفه، وجدد روحه، وأحيا إيمانه.
نشأته وحياته
هو أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي، جادت به الحكمة الخالدة في مطلع عام خمسين وأربعمائة للهجرة، وتسع وخمسين وألف ميلادية، ببلدة طوس من أعمال خراسان، من أصل فارسي.
وكان والده فقير اليد غني الروح، يكسب قوته من مغزله، ومن قيامه بخدمة رجال الدين والفقهاء في مجالسهم وخلواتهم.
وقد حاول بعض المستشرقين وفي طليعتهم العالم الألماني «وستنفليد» أن يثبتوا أن أسرته من أسر العلم الشوامخ، ولكن الحقائق التاريخية لم تذكر لنا دليلا واحدا يجرؤ على الثبات، ولم تحدثنا عن ماضي تلك الأسرة شيئا يطمئن إليه النقد العلمي.
ولا يحدثنا التاريخ كثيرا عن والده، ولا يروي لنا من صفاته إلا ذلك الإجلال العظيم الذي كان يملك حواس ذلك الوالد حيال رجال الدين والعلم، حتى إذا سمع واعظا أو فقيها تضرع إلى ربه أن يرزقه ابنا خطيبا واعظا أو عالما متعبدا.
ولعل هذا الإحساس الملح، والرغبة النفسانية العنيفة في اكتساب المجد العلمي وتقديس الثوب الديني، قد ورثهما الغزالي عن والده، وإنما في صورة أخرى، فقد أتيح للولد ما لم يتح للوالد، ولعلنا في هذا الضوء؛ نستطيع أن نفهم النهم العجيب في الغزالي، الذي كان يدفعه في إلحاح وإصرار إلى الاستزادة من العلوم والإقبال على المعارف.
ومات هذا الوالد، والغزالي وشقيقه أحمد في مدارج الطفولة الأولى، فتعهدهما رجل صوفي فقير من أصدقاء والدهما الذي لم يترك لهما إلا صبابة من المال ضئيلة، ولم يترك للصوفي إلا وصية واحدة هي قوله: «كانت أمنيتي في الحياة أن أتعلم الخط، فأريد منك أن تحقق أمنيتي في نجلي هذين»، وقد بر الصوفي بتلك الوصية؛ فاهتم بهما علما وخلقا، حتى نفدت صبابة المال التي تركها والدهما؛ فضاقت يده عن طعامهما والإنفاق عليهما فقال لهما:
اعلما أنني أنفقت عليكما ما كان لكما، وأما أنا فرجل من الفقر والتجريد؛ بحيث لا مال لي فأواسيكما وأصلح حالكما، فما لكما ألا تلجآ إلى مدرسة، فإنكما طالبان للفقه عساه يحصل لكما مقدار قوتكما.
1
Unknown page