Fiqh al-sīra al-nabawiyya maʿa mujiz li-tārīkh al-khilāfa al-rāshida
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الخامسة والعشرون
Publication Year
١٤٢٦ هـ
Publisher Location
دمشق
Genres
ولنعد الآن إلى التأمل فيما سردناه من قصة هجرته ﵊ لنستنبط منها الدلالات والأحكام الهامة لكل مسلم:
١- من أبرز ما يظهر لنا من قصة هجرته ﵊، استبقاؤه لأبي بكر ﵁ دون غيره من الصحابة كي يكون رفيقه في هذه الرحلة.
وقد استنبط العلماء من ذلك مدى محبة الرسول ﷺ لأبي بكر وأنه أقرب أصحابه إليه وأولاهم بالخلافة من بعده، ولقد عززت هذه الدلالة أمور كثيرة أخرى مثل استخلافه ﵊ له في الصلاة بالناس عند مرضه وإصراره على أن لا يصلي عنه غيره. ومثل قوله في الحديث الصحيح: «لو كنت متخذا خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا» «٦١» .
ولقد كان أبو بكر ﵁ كما رأينا- على مستوى هذه المزية التي أكرمه الله بها، فقد كان مثال الصاحب الصادق بل والمضحي بروحه وكل ما يملك من أجل رسول الله ﷺ، ولقد رأينا كيف أبى إلا أن يسبق رسول الله ﷺ في دخول الغاركي يجعل نفسه فداء له ﵊ فيما إذا كان فيه سبع أو حية أو أي مكروه ينال الإنسان منه الأذى، ورأينا كيف جنّد أمواله وابنه وابنته ومولاه وراعي أغنامه في سبيل خدمة رسول الله ﷺ في هذه الرحلة الشاقة الطويلة.
ولعمري، إن هذا هو الذي يجب أن يكون عليه حال كل مسلم آمن بالله ورسوله. ولذا يقول رسول الله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» «٦٢» .
٢- قد يخطر في بال المسلم أن يقارن بين هجرة عمر بن الخطاب ﵁ وهجرة النبي ﵊، ويتساءل: لماذا هاجر عمر علانية متحديا المشركين دون أي خوف ووجل، على حين هاجر رسول الله مستخفيا محتاطا لنفسه؟ أيكون عمر بن الخطاب أشد جرأة من النبي ﵊؟! ..
والجواب: أن عمر بن الخطاب أو أي مسلم آخر غير رسول الله ﷺ، يعدّ تصرفه تصرفا شخصيا لا حجة تشريعية فيه، فله أن يتخير من الطرق والوسائل والأساليب ما يحلو له وما يتفق مع قوة جرأته وإيمانه بالله تعالى.
أما رسول الله ﷺ، فهو مشرّع، أي إن جميع تصرفاته المتعلقة بالدين تعتبر تشريعا لنا، ولذلك كانت سنته التي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع مجموع أقواله وأفعاله وصفاته
(٦١) مسلم: ٧/ ١٠٥
(٦٢) متفق عليه.
1 / 137