فَلم يجد بدا من الإذعان للولاة وَنوى بِإِظْهَار مَا اشْتغل بِهِ هِدَايَة الشداة وإفادة القاصدين دون لرجوع إِلَى مَا انخلع عَنهُ وتجدد عزوفه عَن طلب الجاه ومماراة الأقران ومكابرة المعاندين وَكم قرع عَصَاهُ بِالْخِلَافِ والوقوع فِيهِ والطعن فِيمَا يذره ويأتيه والسعاية بِهِ والتشنيع عَلَيْهِ فَمَا تأثر بِهِ وَلَا اشْتغل بِجَوَاب الطاعنين وَلَا أظهر استيحاشا بغميزة المخلطين
وَلَقَد زرته مرَارًا وَمَا كنت أجد من نَفسِي مَعَ مَا عهدته فِي سالف الزَّمَان عَلَيْهِ من الزعارة وإيحاش النَّاس وَالنَّظَر إِلَيْهِم إِلَّا بِعَين الازدراء وَالِاسْتِخْفَاف بهم كبرا وخيلاء واعتزازا بِمَا رزق من البسطة فِي النُّطْق والخاطر والعبارة وَطلب الجاه والعلو فِي الْمنزلَة ثمَّ إِنَّه صَار على الضِّدّ وتصفى عَن تِلْكَ الكدورات وَكنت أَظن أَنه متلفع بجلباب التَّكَلُّف متنمس بِمَا صَار إِلَيْهِ فتحققت بعد السبر والتنقير أَن الْأَمر على خلاف المظنون وَأَن الرجل أَفَاق بعد الْجُنُون
وَحكى لنا فِي لَيَال فِي كَيْفيَّة أَحْوَاله من ابْتِدَاء مَا ظهر لَهُ
1 / 34