بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا قَالَ الشَّيْخ الْفَقِيه الْعَالم المتفنن الصَّالح أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن يُوسُف بن عَليّ الفِهري اللبلي ﵁ وَغفر لَهُ بفضله نحمد الله حمد الشَّاكِرِينَ وصلواته وَسَلَامه على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله خَاتم النَّبِيين وَإِمَام الْمُرْسلين وعَلى آله الطاهرين الطيبين عدد معلوماتك يَا رب الْعَالمين أما بعد فَإِن جمَاعَة من حَملَة الْعلم الشريف وَذَوي الْفضل المنيف مِمَّن يجل قدرهم ويعظم خطرهم رَغِبُوا فِي أَن أصنف لَهُم مجموعا يتَضَمَّن ذكر شيوخي الجلة الْأَعْلَام أَئِمَّة الْهدى ومصابيح الْإِسْلَام الَّذين أخذت عَنْهُم بالبلاد المشرقية والمغربية علم الْأُصُول وَغَيره من الْعُلُوم الدِّينِيَّة على اخْتِلَاف ضروبها وتباين فنونها وتبيين أخذي للتصانيف عَنْهُم رضوَان الله عَلَيْهِم ومغفرته الدائمة لَهُم من قِرَاءَة وَسَمَاع ومناولة وإجازة مَوْصُولا أسانيدها بأصحاب

1 / 21

التصانيف وأرباب الْمذَاهب والتواليف فأجبتهم إِلَى مقصودهم وسارعت إِلَى امْتِثَال مرغوبهم لما رَأَيْت من تشوفهم لطريق الرِّوَايَة وتشوقهم لأسباب الدِّرَايَة وَهَا أَنا إِن شَاءَ الله تَعَالَى أشرع فِي ذكرهم وتحليتهم بِالصِّفَاتِ اللائقة بهم وأذكر مَا حضرني من معرفَة وفاتهم وولادتهم مستعينا بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَهُوَ خير معِين قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس ﵁ وأبقاه أما علم الْكَلَام وأصول الْفِقْه فَإِنِّي أَخَذتهَا تفقها عَن جمَاعَة كَبِيرَة من الْعلمَاء الْمَشْهُورين وَالْأَئِمَّة المعتبرين وَأَنا إِن شَاءَ الله تَعَالَى أذكر من أخذت عَنهُ هذَيْن العلمين أَو أَحدهمَا مُتَّصِلا إِسْنَاده بِالْإِمَامِ الرضي أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ واصفا لَهُم بِمَا ثَبت لَدَى من أَحْوَالهم وَبَلغنِي صَحِيحا من أخبارهم فَمِمَّنْ أخذت عَلَيْهِ هذَيْن العلمين بالبلاد المصرية تفقها شَيخنَا شرف الدّين ابْن التلمساني وَأخذ شَيخنَا شرف الدّين عَن شَيْخه المقترح وَأخذ المقترح عَن شَيْخه الطوسي وَأخذ الطوسي عَن شَيْخه الْغَزالِيّ وَأخذ الْغَزالِيّ عَن شَيْخه أبي الْمَعَالِي وَأخذ أَبُو الْمَعَالِي عَن شَيْخه الإسفرايني وَأخذ الإسفرايني عَن شَيْخه الباقلاني وَأخذ الباقلاني عَن شَيْخه الْبَاهِلِيّ وَأخذ الْبَاهِلِيّ عَن شَيْخه الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس فعلى طَرِيق هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة رضوَان الله عَلَيْهِم ومغفرته لديهم المنظومين فِي هَذَا السلك المهتدى بأنوارهم فِي الدياجي الْغَلَس المقتدى بهم

1 / 22

فِي الدّين أَخذ علم أصُول الدّين وَهَا أَنا أذكرهم بحول الله تَعَالَى وقوته إِمَامًا إِمَامًا وعالما عَالما وَاحِد إِثْر وَاحِد على النسق الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَالتَّرْتِيب الَّذِي نظمنه فَنَقُول ١ - شرف الدّين ابْن التلمساني أما شَيخنَا شرف الدّين ابْن التلمساني الْعَالم الْفَاضِل فَهُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يحيى بن عَليّ الفِهري الْمَشْهُور بِابْن التلمساني فَكَانَ ﵀ نظارا محققا وَفِي علم الْأُصُولِيِّينَ مدققا تخرج بشيخه الإِمَام المقترح وسلك طَرِيقَته وبذ فِيهَا صحابته فَاضلا دينا متواضعا حسن الْخلق كثير الْبشر وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية شرف الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عين الدولة الإسْكَنْدراني شَدِيد الاعتناء بِهِ

1 / 23

والتحفي بجانبه لما لحقه من ديانته وسداد طَرِيقَته أَهله للعدالة بالديار المصرية وَجعله من أوجه عدولها وَكَانَ أخيرا عَاقد الْأَنْكِحَة بهَا وقاضي الْقُضَاة هَذَا الَّذِي أَهله لهَذَا المنصب هُوَ الَّذِي كَانَ يَقُول فِيهِ الْملك الْكَامِل رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَعِنْدِي قاضيان أَفْخَر بهما على مُلُوك الأَرْض شرف الدّين والإسكندراني وجمال الربعِي قَاضِي إسكندرية وَلَقَد حَدثنِي من أَثِق بِهِ فِيمَا يحكيه وأصدقه فِيمَا يخبر بِهِ وَيَرْوِيه أَن قَاضِي الْقُضَاة الإسْكَنْدراني هَذَا بَقِي أَرْبَعِينَ سنة قَاضِيا على الديار المصرية وَأَنه مُدَّة قَضَائِهِ بهَا وتوليه عَلَيْهَا لم يبصر النّيل وَلَا شَاهد المقياس هَذَا مَعَ اتصالهما بِالْمَدَنِيَّةِ وتشوف النُّفُوس إِلَى رُؤْيَتهمَا وَأَنه لما توفّي لم يُوجد لَهُ سوى سَرِير من جريد النّخل ونوخ من الحلفاء ولبد أَبيض كَانَ ينَام عَلَيْهِ على هَذَا كَانَت حَاله إِلَى أَن وافاه حمامه والديار المصرية كلهَا بِيَدِهِ وراجعة إِلَى حكمه وَنَظره قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس ﵁ ونفعه بِالْعلمِ ونفع بِهِ وَكَانَ شَيخنَا شرف الدّين ابْن التلمساني شَافِعِيّ الْمَذْهَب ذَا معارف كَثِيرَة فِي فنون من الْعُلُوم مُتعَدِّدَة

1 / 24

التصانيف النفيسه والتواليف المفيدة فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَغَيرهمَا فَمن تصانيفه شرح كتاب التَّنْبِيه فِي مَذْهَب الشَّافِعِي تصنيف الإِمَام أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَهَذَا الْكتاب عِنْد الشَّافِعِيَّة بِمَنْزِلَة كتاب التَّفْرِيع عِنْد الْمَالِكِيَّة وَبَينهمَا من البون مَا بَين الْأَبْيَض والجون فأجاد تصنيفه وَأحسن مَا شَاءَ تأليفه وَمِنْهَا شَرحه للمعالمين الْأُصُولِيَّة والدينية اللَّتَيْنِ للْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وتمم شرح الْإِرْشَاد لشيخه المقترح فَإِن المقترح ﵀ لم يكمله وانْتهى فِيهِ إِلَى المعجزات نَبينَا مُحَمَّد ﷺ فتممه شَيخنَا شرف الدّين إِلَى غير ذَلِك من مصنفاته قَرَأت عَلَيْهِ كتاب الْإِرْشَاد بِمصْر المحروسة للْإِمَام أبي

1 / 25