إن النفوس المريضة، والعقول الهزيلة, هي التي يخلبها الزيف، وتغويها المظاهر الخداعة، والقلوب الخالية من الإيمان هي التي تهيم بالأباطيل فتعتسف الطريق، وتنفذ في سراديب البهتان، وإذا أرادت أمة أن تنهض وتنشيء جيلا طموحا فتيا صدفت وعفت عن هذه الآداب المرقعة، والقصص الهزيلة، وجدت في تثقيف الجمهور وتهذيبه, فلا تترضاه أو تتملقه، أو تناشد عواطفه الجامحة النابية طمعا في ثروة زائلة، وجاه مؤقت، وعليها أن تقود هذا الجمهور الساذج إلى المعين العذب؛ فتشذب خلقه، وتروض نفسه، وتطبعه على الخير, وتزوده بما ينهض به.
لم نعرض أدواء الأمم الأجنبية ومثالبها على جمهور قرائنا، وقد وضع هذا القصص الغريب لبيئة غير بيئتنا، وليعالج مشكلات لا وجود لها عندنا؟ إن القصة سلاح ذو حدين، واستعماله يحتاج إلى مهارة وخبرة، وقد أساء المترجمون استعماله؛ فطعنوا قومهم ومجتمعاتهم الطيبة في الصميم، وجنوا عليها جناية لا تغتفر.
وقد انتشر هذا اللون من القصص بأوربا في أخريات القرن التاسع عشر باسم الواقعية, وقد لخصنا السمات العامة للمذهب الواقعي في كتابنا "المسرحية", ولا يزال الأدب الأوروبي والأمريكي واقعا تحت تأثير المذهب الواقعي، ولقد جنى على بعض الأمم الغربية جناية فظيعة, وأشاع فيها التحلل والضعف، ولذلك أخذ كثير من أدباء الغرب يناهضونه.
ولعلك أدركت مما سبق كيف أن الأدب الأجنبي قد طغى تياره واشتد، فالمدارس تفرض فيها اللغة الإنجليزية في كل الدروس، ولا يعفى إلا درس العربية والدين، والأدب أخذ يغرف من بحور الغرب دون تحر أو تدقيق، وجمهرة المثقفين تجد فيم ينقل إليها صورا من حياة الغرب لم تعهدها، والغرب هو المتملك القاهر، والنفوس تشرئب لمعرفة عاداته, وسر قوته, وكثير من ألوان حياته.
Page 372