Fatima Zahra Wa Fatimiyyun
فاطمة الزهراء والفاطميون
Genres
والإنسان أقدر المخلوقات الحية على خدمة نوعه بوسائل كثيرة لا تنحصر في تجديد النسل وزيادة عدده.
فهل يجوز لنا أن نقول: إن العظماء الذين حرموا النسل قد أدوا ضريبتهم بإصلاح شئون الناس، فلم يبق من اللازم المفروض عليهم أن يؤدوا هذه الضريبة من طريقة الذرية؟
إن قلنا ذلك فإنما نقوله على سبيل الملاحظة التقريبية التي أشرنا إليها، ولا نبلغ بتلك الملاحظة فوق مبلغها من اليقين الذي تستحقه؛ فغاية مبلغها عندنا أنها تستوقف النظر للتأمل والمراجعة ولا تفضي بنا إلى الجزم أو إلى التغليب.
فبعض العظماء من أكبر خدام النوع لم يتزوجوا، وفيهم أنبياء معظمون لا شك في سيرتهم من هذه الناحية، كعيسى عليه السلام.
وبعض العظماء الذين تزوجوا لم يرزقوا الذرية، أو رزقوا ذرية كلها إناث، أو رزقوا ذرية من الإناث والذكور ولم يعيشوا، أو عاشوا ولم يعمروا ولا كانوا على حالة مستحبة من الصحة والنجابة.
وتواريخ العظماء في جميع نواحي العظمة، وفي جميع الأمم، وفي جميع العصور، حافلة بالشواهد التي تعزز تلك الملاحظة وتجعلها خليقة بالتأمل والمراجعة، يدخل فيهم القديسون كما يدخل فهم الحكماء، ويدخل فيهم العلماء كما يدخل فيهم رجال الفنون والمخترعون، ويدخل فيهم القادة العسكريون. ولا يصعب على أحد أن يدير بصره إلى فترة من الزمن في بلد قريب يعرفه حق المعرفة ليشاهد مصداق ذلك في نفر من عظمائه ومشهوريه، وحسبنا في مصر أسماء جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وسعد زغلول وعبد الله نديم ومصطفى كامل ومصطفى فهمي ومحمود سامي البارودي وحافظ إبراهيم.
فإذا جاز لنا أن نقف عند الملاحظة وأن نتأمل مغزاها، وجاز لنا أن نفهم أن إصلاح شئون النوع الإنساني ضريبة تغني عن ضريبة الذرية في بعض الأحوال، فأين ترانا نجد تلك الضريبة في أرفع حالة وأغلى قيمة إن لم نجدها في رسالة نبوية تتناول الأجيال وتتناول الملايين في كل جيل؟ وأي أبوة روحانية تغني عن أبوة اللحم والدم كما تغني أبوة النبي الذي يتكفل بتربية الأرواح في أمته، وفي أمم لا يلقاها في زمانه، وأمم لا تزال تستجد بعد زمانه إلى أقصى الزمان؟!
نذكر هذا حين نذكر حظ محمد من الأبوة الروحية ومن الأبوة النوعية، ونرى تكافؤا في الجانبين جديرا بالملاحظة والاعتبار. •••
نعم ونذكر هذا حين نذكر وفاة الزهراء في زهرة الشباب، في الثلاثين أو ما دون الثلاثين.
مات الذكور من ذرية محمد صغارا لم يجاوزوا سن الرضاع، وعاش الإناث من ذريته ولم يرزقن طول العمر، ومنهن من لم ترزق قوة البنية في عنفوان الشباب.
Unknown page