Fatima Zahra Wa Fatimiyyun
فاطمة الزهراء والفاطميون
Genres
كان يقسمها. فقال أبو بكر: صدقت يا بنت رسول الله، وصدق علي، وصدقت أم أيمن، وصدق عمر، وصدق عبد الرحمن بن عوف، وذلك أن مالك لأبيك، كان رسول الله يأخذ من فدك قوتكم ويقسم الباقي ويحمل منه في سبيل الله، فما تصنعين بها؟ قالت: أصنع بها كما يصنع بها أبي! قال: فلك على الله أن أصنع كما يصنع فيها أبوك، قالت: الله لتفعلن؟ قال: الله لأفعلن. قالت: اللهم اشهد. وكان أبو بكر يأخذ غلتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم ويقسم الباقي، وكان عمر كذلك، ثم كان عثمان كذلك، ثم كان علي كذلك.»
وفي خلال الخلاف على هذه القضية قال عمر لأبي بكر: «انطلق بنا إلى فاطمة فإنا قد أغضبناها». فانطلقا فاستأذنا عليها فلم تأذن لهما، فأتيا عليا فكلماه، فأدخلهما. فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر فقال: «يا حبيبة رسول الله، والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده، أفتراني عرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله؟ ألا إني سمعت أباك رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول: «لا نورث. ما تركناه فهو صدقة.» فقالت: «أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله تعرفانه وتعملان به؟» قالا: «نعم». فقالت: «نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضاء فاطمة من رضائي وسخطها من سخطي؟» قالا: «نعم سمعناه من رسول الله.» قالت: «فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه.» فقال أبو بكر: «أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة»، ثم انتحب يبكي حتى كادت نفسه تزهق. ثم خرج فاجتمع إليه الناس فقال لهم: «يبيت كل رجل منكم معانقا خليلته مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه؟ لا حاجة لي في بيعتكم. أقيلوني بيعتي».»
والحديث في مسألة فدك هو كذلك من الأحاديث التي لا تنتهي إلى مقطع للقول متفق عليه. غير أن الصدق فيه لا مراء أن الزهراء أجل من أن تطلب ما ليس لها بحق، وأن الصديق أجل من أن يسلبها حقها الذي تقوم البينة عليه، ومن أسخف ما قيل: إنه إنما منعها فدك مخافة أن ينفق علي من غلتها على الدعوة إليه، فقد ولى الخلافة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولم يسمع أن أحدا بايعهم لمال أخذه منهم، ولم يرد ذكر شيء من هذا في إشاعة ولا في خبر يقين، وما نعلم من تزكية لذمة الحاكم في عهد الخليفة الأول أوضح بينة من حكمه في مسألة فدك، فقد كان يكسب برضى فاطمة ويرضي الصحابة برضاها، وما أخذ من فدك شيئا لنفسه فيما ادعاه عليه مدع، وإنما هو الحرج في ذمة الحكم بلغ أقصاه بهذه القضية بين هؤلاء الخصوم الصادقين المصدقين، رضوان الله عليهم أجمعين. •••
ولعلنا نجمل ما وقر في أذهان المسلمين الثقات من أمر فدك بكلمة قالها عدل من أعظم العدول بعد ثمانين سنة أو نحوها، بعيدا من الخصومة، بعيدا من زمانها، بعيدا من الشبهة فيها؛ لأنه قال كلمته وفدك في يديه ينزل عنها باختباره، لا يدعوه إلى ذلك داع غير وحي ضميره.
ذلك هو عمر بن عبد العزيز القائل في مستهل عهده بالخلافة: «إن فدك كانت مما أفاء الله على رسوله ولم يوجف
3
المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فسألته فاطمة إياها فقال: ما كان لك أن تسأليني وما كان لي أن أعطيك، فكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل، ثم ولي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله، ثم ولي معاوية فأقطعها مروان بن الحكم، فوهبها مروان لأبي ولعبد الملك، فصارت لي وللوليد وسليمان، فلما ولي الوليد سألته حصته منها فوهبها لي، وسألت سليمان حصته منها فوهبها لي، فاستجمعتها، وما كان لي من مال أحب إلي منها، فاشهدوا أنني قد رددتها إلى ما كانت عليه.»
في هاتين المسألتين نرى السيدة فاطمة على غير مألوفها من العكوف على شئون بنيها والابتعاد من الحياة العامة؛ لأن كلتا المسألتين تدور حول حقها ووشيجة
Unknown page