Fatima Zahra Wa Fatimiyyun
فاطمة الزهراء والفاطميون
Genres
وقد كان الفاطميون يحبون المواسم والمواكب ويبتدعونها ويشجعون الرعية عليها، ولكن المعز - على خلاف المعهود من سياسة أسرته - حظر الاحتفال بالنوروز بعد وصوله إلى مصر منعا للتبذل الذي شاع فيه على آخر أيام الإخشيديين؛ وتطهيرا للأخلاق مما أصابها في تلك الأيام وأدرك منه المعز أنه نذير بزوال ملك بني الإخشيد.
وقدم جوهر إلى مصر في سنة (358 للهجرة)، فاشترط عليه وجوه الأمة ورؤساؤها قبل التسليم أن يؤمنهم على عقائدهم ومألوفاتهم، فكتب لهم عهد أمانه الذي قال فيه: «ذكرتم وجوها التمستم ذكرها في كتاب أمانكم، فذكرتها إجابة لكم وتطمينا لأنفسكم، فلم يكن في ذكرها معنى ولا في نشرها فائدة؛ إذ كان الإسلام سنة واحدة وشريعة متبعة، وهي إقامتكم على مذهبكم وأن تتركوا على ما كنتم عليه من أداء المفروض في العلم والاجتماع عليه في جوامعكم ومساجدكم وثباتكم على ما كان عليه سلف الأمة من الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين بعدهم. ولكم علي أمان الله التام العام الدائم المتصل الشامل الكامل المتجدد المتأكد على الأيام وكرور الأعوام.»
ووضع جوهر أساس القاهرة، ولم يشأ المؤرخون أن ينسوا شهرة الفاطميين برصد النجوم - وهي شهرة صحيحة - فقالوا: إنها سميت بالقاهرة؛ لأن المهندسين أقاموا على أسسها حبالا وعلقوا في الحبال أجراسا ليسمعها العمال عند حلول الرصد المطلوب، وإن غرابا وقع على الحبال والمريخ في الفلك فاهتزت الحبال وأخذ العمال في وضع الحجارة، فسميت المدينة باسم القاهر الذي يطلقه المنجمون على المريخ؛ لأنه كان في معتقد الأولين إله الحروب! •••
هذه القصة «أولا» تروى عن بناء الإسكندرية.
وهي «ثانيا» لا تعقل؛ لأن النجوم ترصد ليلا والغربان لا تطير بالليل، ولو طارت ليلا أو نهارا لما كانت وقعة غراب على حبل كافية لدق الأجراس على جميع الأسوار، ولو كانت الأجراس تدق بهذه السهولة لدقت قبل وقوع الغراب على الحبل لأسباب كثيرة تحرك الحبال كما تحركها هزة الغراب، ولو كان تحقيق الرصد مبنيا على العلم لا على الرؤية لأمكن أن يبدأ التأسيس في ساعة معلومة بغير حاجة إلى الأجراس.
ثم من قال: إنه غراب وهو مجهول؟ وكيف عرفوه، والمظنون أن المهندسين هم الذين حركوا الحبال؟ ولم لا يكون طيرا آخر أو جملة من الطير؟
وقد رويت القصة وتناقلها المؤرخون وتقبلها الكثيرون، وفي التنبيه إلى ما فيها من الإحالة
3
عبرة لمن يصدق السمعة التي تخلقها الأقاويل من هذا القبيل.
واتبع جوهر سنة دولته في تخطيط المدن وتشييد العمائر، فإنهم تعودوا أن يبدأوا بتجديد المعالم والشارات؛ ليستشعر الناس ألفة العهد الجديد بالنظر والسمع شيئا فشيئا قبل مطالبتهم بتغيير ما توارثوه وثبتوا عليه، فشرع جوهر في بناء مسجد العاصمة الجديدة (359 للهجرة)، وسماه الجامع الأزهر على اسم الزهراء في أرجح الأقوال، وكأنه أراد أن يستغني بالعاصمة الجديدة ومسجدها عن القطائع عاصمة الطولونيين ومسجدها المشهور بمسجد ابن طولون، وعن الفسطاط ومسجدها المشهور بالمسجد العتيق، وكلتاهما - أي القطائع والفسطاط - كانت عاصمة للقطر في أوانها، واستحدث الأمراء بعد خراب القطائع عاصمة خارج الفسطاط سموها العسكر، ثم أنشأ الفاطميون القاهرة معقلا ومقاما كدأبهم في تجديد المعالم والشارات على ما ألمعنا إليه. •••
Unknown page