96

انظر وصف هذه الأماكن فيما الخليفة لا بد قد عاد إلى شكه في الأمر خاشيا من الإقدام والمضي فيما عزم عليه. وقد كان الخليفة كلم عثمان وأفضى إليه بما يرى من المخاطر في تلك الغزاة، فأجابه عثمان قائلا إن تلك الغزاة كانت عظيمة الخطر، وزاد على ذلك أن قال إن عمرو بن العاص فيه جرأة وتهور، وإنه لا بد يقتحم بالناس المخاطر ويرمي بهم إلى الهلكة. فخشي عمر بن الخطاب خشية عظيمة، وعزم على أن يأمر ابن العاص بالرجوع إذا كان ذلك ممكنا، ولكنه أحس أن جيش العرب إذا دخل مصر كانت عودته عنها خذلانا وسبة للمسلمين؛ إذ يكون ذلك بمثابة الفرار من العدو؛ وعلى ذلك أرسل كتابه وتقدم فيه إلى عمرو بن العاص أن يعود إذا كان بعد في فلسطين، فإذا كان قد دخل أرض مصر فليسر على بركة الله، ووعده أن يدعو الله له بالنصر وأن يرسل له الأمداد.

7

أما عمرو فقد كان بدأ أمره، ولم يكن بالرجل الذي ينقض ما بدأ فيه، وعرف أن ذلك الكتاب الذي لحق به لم يأته بالرضا عما هو فيه؛ ولهذا لم يأخذه من الرسول حتى عبر مهبط السيل الذي ربما كان الحد بين أرض مصر وفلسطين، وبلغ بسيره الوادي الصغير الذي عند العريش، وهناك أتى له بالكتاب فقرأه، ثم سأل من حوله: «أنحن في مصر أم في الشام؟» فقيل له: «نحن في مصر.» فقرأ على الناس كتاب الخليفة ثم قال: «إذن نسير في سبيلنا كما يأمرنا أمير المؤمنين.»

8

ولا شك في أن عمرا لقي من الناس الجواب الذي كان يرغب فيه.

ولنا هنا ملاحظة غريبة، وهي أن العريش وإن كانت تعد عادة من بلاد مصر لا يخلو أمرها من الشك،

9

غير أن سياق القول يدل على أنها كانت خلوا من جيش الروم مع أنها كانت مدينة ذات حصون، وكانت أسوارها لا تزال منها بقية ماثلة بإزاء البحر إلى القرن الثالث عشر، وكذلك كانت أطلال الكنيستين العظيمتين القديمتين. وكان يقال في ذلك الوقت إن أجود أنواع المرمر وأعظم العمد التي في القاهرة كانت تأتي من العريش،

10

وما أعجب هذا! وقد روى بعض المؤرخين أن سور مصر العظيم كان يبدأ من هناك ويتجه إلى القلزم (وهي السويس)، ثم يتجه مع شاطئ النيل الشرقي إلى الجنوب حتى الجنادل الأولى. ويقال إن من بنى ذلك السور هو «سيزوستريس»، وقد سماه العرب «سور العجوز»، ولكنه كان قد تهدم منذ زمن طويل، حتى إنه لم يعق سير الجند في القرن السابع، وقد بقيت من أطلاله إلى اليوم قطع عند جبل الطير وفي مواضع أخرى في مصر.

Unknown page