Fath Carab Li Misr
فتح العرب لمصر
Genres
وإذا حق لنا أن نقول إن الآثار الأدبية كانت لم تزل باقية يعتز بها في الإسكندرية، فإنه يحق لنا أكثر من ذلك أن نقول إن الفنون كانت بها زاهية مزدهرة؛ فقد كان بنيان المدينة يأخذ بالألباب بعظمته ورونقه؛ من أسوار منيفة، وحصون منيعة، وقصور براقة، وكنائس فخمة، وطرق ذات عمد مرصوصة. وكانت مهارة البنائين على عهدها لم تضمحل ولم تضعف عما عليه في أيام «جستنيان»؛ إذ اتخذ من أهل الإسكندرية ذلك البناء الذي أقام الساحة الكبرى بالقسطنطينية، بها ألف عمود وعمود، ولا تزال إلى الآن باقية، ورءوس الأعمدة في هذه الساحة يرجع إليها الفضل كما يقول الأستاذ «فريمن» في الانفصال عن قيود الماضي انفصالا تاما، وتمهيد الطريق للبناء الجليل الذي أقامه «أنتيميوس»، ألا وهو بناء القديسة صوفيا.
24
وكان حجر السماق الأحمر والأخضر الذي استعمل في تحلية هذا البناء يؤتى به من مصر محمولا في النيل،
25
وكانت مصر منذ أيام الفراعنة شهيرة بما فيها من المرمر البديع، وكانت حلية الكنائس والقصور في جميع بلاد العالم من هذا الحجر الثمين، وكانت سوقه في الإسكندرية، وبقيت هناك حتى قضي عليها في أيام الفتح العربي.
وكان فن التصوير من أتباع فن البناء يستخدم في تجميل الجدران في داخل البناء، كما كان من وسائل ذلك التجميل نقوش الفسيفساء ذات الألوان، وصور الفسيفساء
26
الزجاجية، وأفاريز المرمر فوق الجدران، وتغطية الأرض بالرخام. وقد احتفظ القبط زمنا طويلا وهم تحت حكم العرب بالدراية في هذه الفنون؛ فنون البناء، وصناعة فسيفساء الزجاج، وصناعة خاصة بالمرمر كان يطلق عليها اسم «الفن الإسكندري»
27
تمييزا لها. وكانت أسوار العاصمة الجديدة «القاهرة» وما فيها من مساجد بديعة، من صناعة المصريين في بنائها وزخرفها، وما كان نبوغهم في هذه الصناعة وأساليبهم فيها إلا ما ورثوه كابرا عن كابر في الفن عن الإسكندرية القديمة.
Unknown page