Fath Carab Li Misr
فتح العرب لمصر
Genres
واتفق في ذلك الوقت أن وثب فوكاس، ذلك الرجل المشوه الفظيع، بعد أن تم له الأمر في بيزنطة، فقتل الإمبراطور موريق مع كل ولده ذكورا وإناثا، ولم يكن كسرى ليطلب عذرا بعد هذا لتبرير غضبه وإثارة الحرب علانية، ولئن كان لا يزال فيه شيء من التردد فقد زال عنه عندما بلغه أمر «نارسيس»، وأنه خرج ثائرا في «أذاسة»، وقسم الدولة الرومانية إلى شطرين محتربين.
7
على أن نارسيس دفعته ثقة حمقاء مرة إلى أن يذهب إلى العاصمة ليزور بعض أصحابه فيها، فقبض عليه فوكاس وأحرقه في ميدان سباق الخيل، ولكن كان ذلك بعد أن انتهى الأمر وسبق السيف العذل. فلما جاء «ليليوس» رسول فوكاس إلى جرمانوس في «دارا»، بعثه هذا معززا مكرما إلى البلاط الفارسي، وكان معه رسائل وهدايا إلى الملك كسرى، ولكن الملك أودع الرسول السجن، وسار بجيشه إلى أرمينيا.
وليس من قصد هذا الكتاب أن نصف القتال الذي كان بين فوكاس وكسرى؛ فإنه لم يكن في عصرنا الذي نصفه، وليس له من صلة بتاريخ مصر اللهم إلا بما كان له من الآثار العامة، ولسنا نجد شيئا نزيده على ما كتب من قبل؛ وعلى ذلك فحسبنا أن نذكر أن ملك الفرس بعد أن فتح أرمينيا ، وكثيرا ما كانت ميدانا للنضال بين الدول، قسم جيشه إلى قسمين، فأرسل قسما منه إلى الجنوب لفتح الشام، وأرسل الآخر إلى الغرب ليخرق قلب آسيا الصغرى؛ يقصد بذلك أن يصل إلى القسطنطينية. وليس توارد الحوادث بالأمر الواضح، ولكنا لا يعنينا منها إلا ما كان من أمر الجيش الذي ذهب إلى الجنوب. وقد كان سيره بطيئا، حتى إن فتح أنطاكية لم يتم إلا وقد صار «هرقل» ملك الدولة. وبعد، فلو صح أن الباعث لكسرى على خوض الحرب إنما هو الانتقام من فوكاس، لكان موت هذا الطاغية مختتم النضال، ولكن الملك العظيم قد عرف في حربه ضعف عدوه، وزاده النجاح رغبة في المضي في سبيله، ولم يكن سبيله إلا إخضاع الدولة الرومانية لحكمه. ولم يكن ذلك مجرد خيال بعيد التحقيق؛ فقد كانت جيوشه أكثر عددا وأتم عدة وأبدع نظاما من جيوش عدوه، وكان قواده لا أكفاء لهم في جيش الروم بعد أن مات «بنوسوس» و«نارسيس»، وكانت خزائنه عامرة بالمال، والشعب من ورائه يدا واحدة، في حين كان أهل الدولة الرومانية شيعا وفرقا، وخزائنها تكاد تكون خاوية.
ومع ذلك فقد كانت بلاد الشام وعرة المسالك، وكان حصار المدن أمرا شاقا، وكان الجيش يقضي قسطا كبيرا من السنة بلا عمل في معسكر الشتاء، فلم يقدر خوريام
8
قائد الفرس على أن يسير إلى بيت المقدس بعد الاستيلاء على «دمشق» و«قيصرية» إلا في السنة الخامسة من حكم هرقل. وأرسل ذلك القائد، على ما يلوح، رسلا من مقره في قيصرية إلى بيت المقدس يدعوها إلى التسليم للملك الأعظم. وقد حدث ذلك، فأسلم اليهود المدينة إلى قواد الفرس بعد أن غلبوا المسيحيين من أهل المدينة على أمرهم.
9
وما هي إلا شهور قليلة بعد ذلك حتى وثب المسيحيون بالفرس، فقتلوا قادتهم، وملكوا الأمر على الجنود المرابطة، وأغلقوا أبواب المدينة، وعند ذلك جاء «شاه-ورز» وحاصرهم، ثم ساعده اليهود على هدم الأسوار، فاستطاع جنوده أن يدخلوا المدينة في اليوم التاسع عشر من مجيئه، وكان دخولهم من نقب أحدثوه في الأسوار، وأخذوا المدينة
10
Unknown page