Fath Carab Li Misr
فتح العرب لمصر
Genres
ولكن الظاهر أن هذه الشدة إنما جاءت عفوا في وقت الفتح، ولم تكن صفة ثابتة لحكومة عمرو في مصر.
وقيل إن عمرا كان ينوي حفر خليج بين بحيرة التمساح والبحر الأبيض المتوسط، فيكون بذلك قد قطع البرزخ بالبحر كما هو اليوم، ولكن عمر بن الخطاب أبى عليه ذلك وأنكره، قائلا إنه يمكن الروم من السير إلى البحر الأحمر وقطع السبيل على من أراد الحج. وليس في هذه القصة شبهة تمنع من تصديقها.
ولم ينصرف القائد العربي كل الانصراف إلى هذه الأعمال السلمية، فلم تشغله عن أمور الحرب والقتال؛ فإنه رأى البلاد قد صارت إلى الإذعان للعرب منذ عهد الإسكندرية لا ينقص من سلطانهم عليها إلا بعض بلدان في شمال مصر السفلى، ولا سيما ما كان منها على شاطئ البحر؛ إذ أبت أن تدخل فيما دخل فيه الناس من العهد. وكان لعمرو أن يسير إليها إذا شاء فيقاتلها ولو كان ذلك في مدة الهدنة. ويلوح لنا أنه قد وجه لقتالها جيشا في ربيع سنة 642. ومن العسير أن نصف ما كان من سير جيش العرب، لا سيما وأن حنا النقيوسي لا يذكر شيئا من أمر القتال في هذه المدة؛ فلا بد لنا من الاعتماد على مؤرخي العرب وما جاء في أخبارهم، ومن أشق الأمور فهمها أو الربط بين أجزائها.
فلا نجد مع هذا ندحا من أن نلجأ إلى التصور والحدس، فنقول إن جيش العرب لا بد قد سار من كريون نحو الشرق على ساحل النهر. وكانت في الإقليم الذي كان يعرف بالحوف الغربي مدينة اسمها «إخنا»، ليست بعيدة عن الإسكندرية،
34
وكان حاكمها اسمه «طلما»، فأتى إليه كتاب من عمرو يعرض عليه فيه شروط الصلح الذي صالح عليه «قيرس»، ولكنه لم يقنع بما جاءه في ذلك الكتاب، فأرسل إلى عمرو يطلب الاجتماع به، فسأله عن مقدار الجزية، فلم يطق قائد العرب احتمال هذه المراجعة، وأشار إلى كنيسة قريبة وقال: «لو أعطيتني من الركن إلى السقف ما أخبرتك، إنما أنتم خزانة لنا، إن كثر علينا كثرنا عليكم، وإن خفف عنا خففنا عنكم.»
35
ولا بد أن «طلما» كره هذا الرد وعزم على ألا يذعن؛ وعلى ذلك سار المسلمون إلى «إخنا»، وما لبثوا أن أرغموها على التسليم لهم، وقد أخذوا منها أسرى كثرا وبعثوا بهم إلى الخليفة عمر في المدينة، مع أن تلك القرية سلمت إليهم صلحا بعقد وعهد. وقد حدث مثل ذلك لمدينة «بلهيب»،
36
وكانت مدينة منيعة في جنوب رشيد تبعد عنها بضعة أميال. والظاهر أن عمرا أتاه هناك رد الخليفة عمر بإقرار صلح الإسكندرية.
Unknown page