Fath Carab Li Misr
فتح العرب لمصر
Genres
رأيت دون ذلك معبد السرابيوم وقد أناف بسقفه المذهب، والقلعة التي كان يشرف فوقها عمود دقلديانوس.
26
فإذا ما تيامنت بدت لك الكنيسة العظمى كنيسة القديس مرقس، تليها العمد المربعة التي سميت «مسلات كليوبترا»،
27
وكانت عند ذلك قد عمرت نيفا وألفي عام، وذلك ضعفا عمر المدينة نفسها. وفيما بين يسارك ويمينك كان البناء الجليل يبدو ظاهره مشرقا، ويلوح من ورائه ذلك الأثر العظيم المعروف باسم «فاروس»، وكان الناس يعدونه إحدى العجائب السبع في العالم، وحق لهم أن يفعلوا. وما كان هذا الجلال الفائق والجمال البارع وما يبدو من عظمته وقوته إلا ليقع من قلوب غزاة الصحراء موقعا عجيبا، وقد رأوا ما رأوا من المدينة التي جاءوا يفتحونها.
28
وكانت مسلحة المدينة عند ذلك نحوا من خمسين ألفا، وكانت قوات وفيرة فيها؛ إذ هي على البحر، ولم يكن فيه للمسلمين بعد سفينة واحدة تنقص من سلطان الإمبراطور عليه، وكانت الأسوار منيعة تحميها الآلات القوية، وهي الآلات التي رأيناها في زمن «نيقتاس» تفتك بأسطول العدو في النهر وتغرق سفنه، ولم يكن عند العرب شيء من آلات الحصار؛ إذ لم يستطيعوا نقل ما غنموه منها قبل ذلك من الروم، ولم تكن لهم خبرة ودراية في فنون الحصار وحربه؛ وعلى هذا كان في يد الروم من العدة والعدد ما يستطيعون به أن يقووا على حرب فرسان المسلمين، وليس لهم من العدة إلا سقيمها. على أن العرب كانوا قبل ذلك قد فتحوا الفتوح العجيبة في مصر والشام، فلم تقف دونهم حصونها، فكانوا كلما ذكروا ذلك امتلأ قلبهم إيمانا وقوة، ووثقوا من أن العاقبة لهم، ولكن ذلك الإيمان كان بطيء الأثر؛ فإن عمرا عندما حمل بجيشه أول مقدمة على أسوار المدينة كانت حملته طائشة غير موفقة، فرمت مجانيق الروم من فوق الأسوار على جنده وابلا من الحجارة العظيمة، فارتدوا باعدين عن مدى رميها، ولم يجرءوا بعد ذلك على أن يتعرضوا لقذائفها، وقنع المسلمون أن يجعلوا عسكرهم بعيدا عن منالها، وانتظروا أن يتجرأ عدوهم ويحمله التهور على الخروج إليهم.
وليس في أيدينا من الأخبار الموثوق بها ما يدل على وقوع قتال من هذا القبيل؛ فليس في ديوان «حنا النقيوسي»
29
شيء آخر في وصف القتال بالإسكندرية سوى ما ذكرناه من تهور عمرو في حملته الأولى، وما أصاب العرب من فعل المجانيق التي لم يطيقوا عليه صبرا فارتدوا، ولا نستطيع أن نفهم من ذلك الإغفال إلا أمرا واحدا، وهو أنه لم يكن ثمة حصار للإسكندرية بالمعنى الصحيح؛ فقد كان البحر يحمي المدينة من جهة الشمال، وكانت الترعة وبحيرة مريوط تحميانها من الجنوب، وكان إلى غربها ترعة «الثعبان»، فلم يبق من فرج إلا شرقها وجنوبها الشرقي، ولم يستطع المحاصرون أن يقتربوا من الأسوار من ذلك الفرج، فلم يكن لهم بد من أن يقنعوا بالوقوف والرصد، ولم يكن رصدهم تاما ولا مجزيا؛ وعلى ذلك لم يتحقق للعرب حصار المدينة حتى من جانب البر. ومع ذلك فقد كان لوقوف العرب بعسكرهم على كثب من المدينة أثر كبير؛ إذ كانوا هناك يحادون الروم ويقطعون صلتهم بسائر البلاد. ولسنا نعرف عين الموضع الذي كان فيه عسكرهم؛ فإن تعيين ذلك من أشق الأمور؛ فقد قال السيوطي إنه كان «فيما بين الحلوة وقصر فارس وما بعده». وقصر فارس كان في الجهة الشرقية.
Unknown page