132

10

وما كان أعظم سرور عمرو؛ إذ رأى نفسه على ظهر جواده مرة أخرى يسير مع جيشه إلى وجه جهاد، وقد جعلوا الحصن وراء ظهورهم، وساروا نحو الشمال يتبعون شاطئ الفرع الغربي للنيل، وتركت خيمة القائد في مكانها؛ فإنه عندما أزمع السير وأمر الجند أن ينزعوا خيمته وجدوا في رأسها عش يمامة قد باضت، فقال عمرو: «لقد تحرم هذا اليمام منا بمتحرم، فأقروا هذا الفسطاط في موضعه حتى يفرخ ويطير.» وقيل إن عمرا ترك على الفسطاط حارسا يمنع تلك اليمامة أن يمسها أحد بأذى.

11

وليس من اليسير أن نصف سير العرب في وقتهم ذاك؛ فإن ديوان حنا النقيوسي لا يذكر من حوادث تلك المدة إلا قطعا من الأخبار لا نظام لها. وإذا نحن جمعنا تلك القطع وأردنا أن نجعل منها قصة متصلة، كان فيها اختلاف كبير عما يرويه مؤرخو العرب. على أننا نستطيع أن نوفق بعض التوفيق بين تلك الروايات المتضاربة، لا سيما وأنا نجد اتفاقا عجيبا بينها في بعض المواضع.

ولا شك أن أول ما قصد إليه عمرو في سيره نحو الإسكندرية كان مدينة نقيوس، وكانت مدينة ذات شأن عظيم، وحصنا ذا منعة وقوة،

12

وهي على الشاطئ الشرقي لفرع النيل الغربي الذي هو فرع رشيد على مسيرة يوم من حصن بابليون، وعلى ساعتين من مدينة منوف، وكانت منوف إذ ذاك في ملك العرب، وكانت نقيوس فوق عظمها مدينة قديمة بها الآثار الجليلة من أيام الفراعنة، وكانت مقر أحد كبار رءوس الدين المسيحي، ولها مكانة حربية كبرى في حفظ الطريق بين حصن بابليون والإسكندرية؛ فكان لا بد للروم أن يجتمعوا هناك مرة أخرى للقاء العرب.

والظاهر أن عمرا ابتدأ سيره أولا على الضفة الغربية للنهر من ناحية الصحراء؛ ففيها مجال أوسع لخيله لا يعوقها هناك ما يعترض مصر السفلى من الترع الكثيرة. وكان الروم على توقع أن يفعل ذلك فلاقوه هناك، وكان أول ما التحموا بجيشه عند مدينة قديمة معروفة، وهي «طرنوتي»، أو «طرنوط»، أو كما يسميها العرب «الطرانة»، وكان في تلك المدينة فرضة يعبر النيل عندها في الذهاب إلى الإسكندرية،

13

وفيها كذلك بدء الطريق المؤدية إلى أديرة القبط في صحراء لوبيا؛ فكان لا بد للروم على ذلك من أن يقفوا وقفة في الدفاع عنها. فقاتلوا العرب هناك،

Unknown page