Fath Carab Li Misr
فتح العرب لمصر
Genres
ولكن جيش الروم كان عند ذلك قد تنبه إلى الخطر، وما كان ليرضى أن تقع تلك القرية في يد الغزاة، وهي موضع حصين يجاوره مرفأ على النيل فيه سفن كثيرة، وفي ذلك ما فيه من القيمة في الحرب. وكان أمير الجيوش الرومانية في مصر واسمه «تيودور» رجلا نكولا عاجزا في الحرب، ولم يتبين له إلا عند ذلك أن تلك الحرب لم تكن غارة من غارات البدو، بل كانت حربا مخطرة. ولعل «قيرس» المقوقس حاكم مصر وبطريق الإسكندرية الإمبراطوري أسرع عند ذلك مع «تيودور» إلى حصن بابليون، وجمعا فيه جندا ليعبئا فيه جيشا لحرب العرب، وكانت في أم دنين مسلحة قوية؛ ولهذا كان في استطاعة الجيش الرومي الأكبر الذي في الحصن أن يهبط في أي وقت شاء إلى العرب، ثم يعود إذا شاء إلى حصنه آمنا وراء أسواره العظيمة، ومضت على ذلك أسابيع عدة في مناوشة وقتال خفيف لم يؤذ الروم أذى كبيرا، ولكنه قلل من عدة المسلمين بمن كان يقتل منهم، ولا سيما وقد أجهضهم القتال من قبل حتى صاروا في قلة لا تستطيع إتمام ما جاءت له من الفتح.
والحق أن عمرا كان عند ذلك في حرج مخطر، وكان قد أرسل يتجسس البلاد، وعرف أنه لن يستطيع أن يفتح حصن «بابليون»، أو أن يحاصره بمن بقي معه من الناس، بل رأى أنه لن يستطيع فتح مدينة مصر، وكانت متصلة بالحصن تكاد تحيط بجوانبه. وكان المسلمون قد جاءوا إلى مصر راغبين في القتال واثقين في شجاعتهم وحسن بلائهم في الحروب، غير أنه لم يلقوا فوزا متصلا في جميع المواقف الأخيرة كما كانوا يتوقعون. وكان عمر بن الخطاب قد وعدهم بالأمداد، فأرسل عمرو إليه يستحثه على إرسالها، ولكنها أبطأت عنه، وكان كل يوم من أيام إبطائها غنما لأعدائه، حتى أصبحت كفتا الحرب مترددتين، وخيل إلى الناس أن النصر في إحداهما لا يدري أحد أيتهما ترجح.
24
ولكن ذلك الخطر ما كان ليرد القائد العربي عن قصده ، فلم تكن من شيمته أن ييئس أو يفر. فلما رأى أنه لن يستطيع فتح حصن بابليون بمن معه وهو ما كان يرمي إليه، عزم على أن يسير إلى وجه آخر كان فيه من الجرأة، ولم يكن ذلك سوى إقليم الفيوم، وهو إقليم خصب على نحو خمسين ميلا إلى الجنوب في الجانب الغربي للنيل، وهو العدوة القصوى، ولم يكن له على ذلك بد من أخذ «أم دنين» ولو لوقت ما، فعول على أن يفعل ذلك مهما لقي في سبيله. ولسنا نعلم كيف أخذ ذلك الموضع، ولكنا نعلم أنه كلف من معه من الناس مشقة كبرى. نعلم ذلك من قصة تروى عن ذلك العصر؛
25
إذ قيل إن عمرا رأى جماعة يخيمون في القتال، فجعل يذمرهم ويحثهم، فقال له رجل منهم: «إنا لم نكن «حجارة»
26
أو حديدا.» فقال له عمرو: «اسكت فما أنت إلا كلب!» فقال الرجل: «إذن فأنت أمير الكلاب.» فكان جوابه هذا باعثا على ضحك من حوله، وأعرض عنه عمرو فلم يجازه على ذلك.
ولكن مهما كان من أمر القتال وشدته، فقد أتم العرب ما قصدوا إليه وأخذوا «أم دنين»، فملكوا بذلك منزلا على النيل جعلوا فيه مسلحة منهم، واستطاع عمرو أن يأخذ من السفن ما يكفي بقية جنده لاجتياز النهر.
27
Unknown page