وكان التجار وغيرهم من الروم والقوط يسطون على قبائل البربر، فيخطفون الأطفال والغلمان ويحملونهم إلى الآفاق يتجرون ببيعهم، كما كانوا يتجرون بغلمان البيض من أهل إسبانيا وغيرها ، والغالب أن يكون هؤلاء من أسرى الحرب. وكان بيع الأسرى شائعا في تلك العصور، واشتهر برابرة المغرب بركوب الخيل.
طارق بن زياد
وكان في جملة قبائل البربر قبيلة الصدف ومنها طارق بن زياد؛ ولذلك قيل له الصدفي. وقد نشأ طارق في الجبال وعاش عيشة البدو وتدين بالوثنية مثل سائر أهله ورفاقه، وقد شب قوي البنية شديد البطش شجاعا، وكان منذ نعومة أظفاره مشهورا بين رفاقه بالفروسية والقوة.
وكان من بين رفاقه غلام أبيض اللون بخلاف سائر البرابرة، وتقاطيع وجهه تختلف عن تقاطيع وجوههم: فالبرابرة ضخام الشفاه، عراض الوجوه، قصار الأنوف، سود الشعر، شديدو السمرة. وهذا الغلام أبيض الوجه، أشقر الشعر، أزرق العينين، ولكنه بسبب معيشة البدو في البراري وركوب الخيل والغزو، حال لونه إلى السمرة قليلا وتضخمت أعضاؤه كلها فأصبح غليظ العنق والذراعين، واسع الصدر، خشن الكف، كث الشعر، وكانوا يسمونه «بدرا» إشارة إلى صباحة وجهه دون سائر الرفاق، وكان البرابرة يحبونه لخفة روحه وبسالته لاعتقادهم أن الشجاعة من خصائص السمر وأن البيض ضعفاء جبناء.
شب طارق وهو يرى هذا الغلام في بيت أبيه، ويعلم أنه ليس أخاه لأن رئيس قبيلتهم دفعه إلى زياد، وأوصاه برعايته والاعتناء بتربيته لأنه توسم فيه الخير، فتصاحبا وتحابا. وكان طارق لا يهنأ له عيش إلا إذا كان بدر معه، وبدر يعجب بطارق ويحبه كثيرا، ويعد نفسه أخا له، ولا يتخاطبان إلا بروح الأخوة وهما معروفان بذلك عند سائر قبيلة الصدف.
ولما جاء موسى بن نصير إلى أفريقيا وصار عاملا عليها كان في جملة من اتخذهم من الموالي طارق بن زياد، ولما رأى شجاعته وحسن إسلامه رقاه حتى جعله قائد حامية طنجة كما تقدم. وكان بدر رفيق طارق في كل أعماله ولكنه لصغر سنه لم يتنبه له موسى، على أنه أظهر في الوقائع التي شهدها بسالة الأبطال المحنكين؛ لأنه لم يكن يهاب الموت ولا سيما إذا كان مع أخيه طارق.
فلما عرض يوليان على موسى فتح الأندلس ويكون هو عونا له في ذلك، بعث موسى إلى الخليفة الوليد يستأذنه، فأذن له على أن يخوضها بالسرايا (ولا يغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال)؛ فرأى موسى أن يجرب ذلك برجال من الموالي المسلمين غير العرب يرسلهم لفتحها، ولم ير خيرا من طارق يوليه قيادة تلك الحملة، فأعد سبعة آلاف من الموالي والبربر وفيهم بعض العرب، وسلم قيادتهم إلى طارق وأمره أن يعبر بهم بحر الزقاق إلى الأندلس.
فعبره في سفن أعدها لهم يوليان حتى نزلوا جبلا على شاطئ ذلك البحر سمي بعد ذلك باسم طارق (جبل طارق إلى اليوم)، ولم يلق طارق مشقة في الاستيلاء على الجبل، ثم بلغه أن رودريك صاحب طليطلة يتأهب لملاقاته في جند عظيم، فكتب طارق إلى موسى فأمده بخمسة آلاف بربري، فصار جنده اثني عشر ألفا، وفيهم يوليان صاحب سبتة يدلهم على نواحي الضعف، ويتجسس لهم الأخبار، ويبث في أهل البلاد أن العرب جاءوا الأندلس لا للفتح والاحتلال، وإنما يريدون أن يملئوا أيديهم من الغنائم ويخرجوا، وحبب إلى الإسبان أن يسهلوا لهم التغلب على رودريك حتى يتخلصوا منه ويعيدوا الحكم إلى من يريدون من ملوكهم الأصليين. وما زال طارق يزحف بجنده على هذه الصورة حتى وصل إلى وادي لكة (قرب قادس) وهناك التقى جنده بجند رودريك على ما هو مدون في كتب التاريخ.
ووادي لكة أو وادي ليتة ويسميه الإفرنج (جوادى ليتي)
Guadalete
Unknown page