103

Fath Andalus

فتح الأندلس

Genres

فتحققت فلورندا عند ذلك أن الرئيس من مؤيدي أوباس وأهله، فتاقت نفسها إلى الاستنجاد به أو مشورته في أمر ألفونس، ولكنها استحيت فأطرقت، فراحت خالتها تواصل الحديث نيابة عنها قائلة: «وألفونس، هل ... تعرفه؟»

قال: «كيف لا وقد عرفته منذ طفولته، وكثيرا ما كنا نلتقي في طليطلة أيام المواسم والأعياد على عهد المرحوم أبيه.»

فوقفت العجوز ونظرت إلى الرئيس نظر المتفرس وقالت: «أما وقد برح الخفاء فأخبرك أن الفتاة التي تراها بين يديك هي خطيبة ألفونس، وأراد ملك طليطلة أن يحرمه منها بالقوة فأرسله في مهمة إلى أقصى بلاد الإسبان، فلما رأت عزمه وفهمت مراده خرجت من قصره فرارا، ثم علمنا أن رودريك ألقى القبض على أوباس لأنه ساعد على إنقاذها من بين مخالبه، هذه واقعة الحال كما هي.»

مهمة جديدة

فتفرس الرئيس في فلورندا وقال: «أليست هذه بنت يوليان حاكم سبتة خطيبة ألفونس؟ إني أول الشاهدين على خطبتها، وقد كان أهلها يتحدثون بخطبتها إلى ألفونس وهما طفلان، ثم خطبها، وأوباس هو الذي سعى إلى ذلك العقد، فكيف يتجرأ رودريك على حله؟»

فلما سمعت العجوز كلامه تذكرت أنها كانت تراه يتردد على قصر طليطلة على عهد غيطشة بلباس غير هذا اللباس فقالت: «ألست الأب سرجيوس؟»

قال: «أنا سرجيوس وكنت كاهنا أتردد على طليطلة بالنيابة عن هذا الدير، فلما رأيت الدسائس تتعاظم ضد المرحوم غيطشة ولم أجد سبيلا إلى نصرته، أقمت في هذا الدير حتى توليت رئاسته. ولو أطاعني أوباس لأقمنا هنا معا في أمن وسلام.» ثم التفت الرئيس إلى فلورندا وقال لها: «كوني مطمئنة يا ابنتي أن سرك محفوظ في بئر عميقة، واعلمي أني نصيرك ونصير أوباس في كل شيء. سامحه الله، كم قلت له: دع طليطلة وتعال إلى هذا الدير نعبد الله فيه ونبتعد عن دسائس العالم وشرور أهل المطامع، وعندنا من المئونة والأموال ما يكفينا طول العمر، فأبى إلا البقاء هناك، وأظنه بقي لرعاية أبناء أخيه ولا سيما ألفونس، ثم أطرق وهز رأسه وقال: «أفأوباس في السجن الآن؟»

قالت فلورندا: «علمنا أنهم ساقوه إلى السجن ولا ندري أسجنوه أم قتلوه؟ وكان في عزمنا بعد نزولنا في هذا الدير أن نبعث هذا الشاب إلى طليطلة كي يحاول أن يعرف الحقيقة ثم يعود إلينا بالأنباء الصحيحة.»

فقطع الرئيس كلامها قائلا: «لا، لا يصلح هذا لذلك؛ لأنهم يعرفونه ويعرفون أنه من أتباع الأمير ألفونس أو الميتروبوليت أوباس، وربما قبضوا عليه وسجنوه أو قتلوه، دعوا ذلك إلي فقد أصبح البحث في هذا الأمر من واجباتي. كونوا في راحة حتى تأتيكم الأخبار صاغرة.» قال ذلك ونهض وهو يقول: «وقد آن لكم أن تستريحوا من عناء السفر، واعلموا أن الدير ومن فيه تحت إشارتكم؛ لأننا جميعا صنيعة الملك غيطشة، ونحن وقف على خدمة ابنه وكل من يلوذ به، فهل تقيمون في شطر الدير الخاص بالراهبات ويبقى خادمكم شانتيلا في هذا القسم، أم تفضلون البقاء معا في هذه الدار ولا يدخل إليها أحد سواكم؟»

فنهضت فلورندا وقد أحست بحمل ثقيل يزاح عنها، وشكرت الله لأنه استجاب لصلواتها، وعلقت آمالها بقرب الفرج فأثنت على الرئيس سرجيوس وقبلت يده واستشارت خالتها في الإقامة فقالت: «أرى البقاء هنا بعيدين عن الناس وشانتيلا معنا حتى نرى ماذا يكون.»

Unknown page