Fatawa al-Iraqi
فتاوى العراقي
Investigator
حمزة أحمد فرحان
Publisher
دار الفتح
Edition Number
الأولى
Publication Year
1430 AH
انتشر هذا الوباء في الإقليم بأسره، واشتدّ فيها شيئاً فشيئاً، وأحصيت الجنائز بالقاهرة فقط في شعبان ورمضان تسعمائة ألف نفس، ثم بدأ يتناقص في آخر السنة شيئاً فشيئاً، ولم يسلم منه جميع أجناس بني آدم، حتى حيتان البحر، وطير السماء، ووحش البر. ويُقال إن هذا الوباء أقام على أهل الأرض مدة خمس عشرة سنة(١).
وتبع هذا الطاعون طواعين أخرى، لكنها كانت أقل ضرراً، كالذي حدث سنة تسع وسبعين، والذي حدث سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، وبلغ عدة من يموت منه بالقاهرة ومصر(٢) في اليوم ثلاثمائة ميت(٣). ثم اشتد الطاعون سنة تسع وثمانمائة، وبلغ عدد من يرد اسمه الديوان من الموتى مائتين وخمسين في كل يوم، وكانت العامة تذكر بأن عددهم أضعاف ذلك، بحيث لا يقصر عن ألف وخمسمائة في اليوم سوى من لا يتمّ دفنه، وغالبهم من الشباب والنساء(٤).
ومن هذه الكوارث أيضاً المجاعات التي كثرت على مرّ السنين، وحصدت أرواح كثيرٍ من الفقراء خاصة، وكثرت في القاهرة ومصر، واشتدت في سنين عديدة، منها سنة ست وسبعين وسبعمائة، حتى قال المقريزي: (كنت أسمع الفقير يصرخ بأعلى صوته (لله لبابة قدر شحمة أذني، أشمّها وخذوها)، فلا يزال كذلك حتى يموت)، وتوقفت أحوال الناس من قلة المكاسب لشدة الغلاء، وعدم وجود ما يقتات به، وشحّ الأغنياء وقلّت رحمتهم، وشفع الموت في الفقراء من شدة البرد والجوع والعرُي، وهم يستغيثون فلا
(١) المقريزي، السلوك ٤ / ٨٠ وما بعدها.
(٢) في عصر المماليك كانوا يطلقون اسم (مصر) على مدينة (الفسطاط) سابقاً، قال المقريزي في الخطط ٢/ ٦٦: (وقد صار الفسطاط يُعرف في زمننا بمدينة مصر). وهي في عصرنا يُطلق عليها اسم (مصر القديمة)، والتي فيها مسجد الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص.
(٣) المقريزي، السلوك ٥/ ١٠١.
(٤) المقريزي، السلوك ٦ / ١٨٢.
25