24
وقوة نفسه، وكرم خيمه.
25
وإن في ابتسامته الهادئة المشرقة أشعة من الآمال الجسام، التي تسخر من الدهر، وتطمح إلى عظائم الأمور. هذا الطفل الصغير يا أمي عصارة المجد الحمداني، وملتقى عناصر قوته.
فسالت الدموع من عيني سخينة وقالت: صدقت يا حسين، لقد رأيته أمس من نافذة حجرتي، وهو يقود جيشا من أترابه
26
أبناء حراس الحصون، وقد حمل بيمينه غصنا كان يسميه الصارم البتار، وثب به في خفة النمر على من زعمهم أعداءه، فبدد شملهم جميعا، ثم صعد إلي في صلف الشجاع المنتصر يحدثني بأخبار الموقعة، وما ظفر به من أسرى وغنائم، ولكنه أجج نار أشجاني حينما سألني عن أبيه، فلما قلت له: إنه ذهب إلى بغداد ليحارب أعداء الخليفة، أمال رأسه في شمم واعتداد وقال: لم لم يأخذني معه؟ إنني أحب الحرب وأهوى النضال، وإن هذه الحرب الصورية بين هؤلاء الصبية لا تشفي من نفسي غليلا، وحينما أبصر دمعتين تطفران من عيني قال: أنت لا تحبين الحرب؛ لأنك لم تتذوقي نشوة الانتصار! فأسرعت وقلت: إن الناس سيموتون في الحرب يا بني، فأخذه الضحك طويلا ثم قال: الموت خير من حياة كحياة جاريتي هيلانة التي دخلت حجرتها نحلة بالأمس فطارت نفسها هلعا، وملأت جوانب القصر صياحا وضجيجا. - إنه كما قلت لك أعجوبة الأعاجيب، وصورة صادقة من أبيه، وإن أما تسعد بمثله، وتترقب ما ينتظره من مراتب العظمة وبعد المنزلة، جديرة بألا يجد الحزن إلى قلبها سبيلا، إن أبي لم يمت يا أمي، وإنما تجدد شبابه في وفي أخي أبي فراس. ثم طفق ينشد من قصيدة بشامة النهشلي:
إنا - بني نهشل - لا ندعي لأب
عنه، ولا هو بالأبناء يشرينا
27
Unknown page