ويتحول الفحم الأسود إلى ألماس ساطع بحكم الضرورة إذا ما ظهر بعض شروط البيئة، ويصبح الماء مائعا أو جامدا أو بخارا بفعل بعض العوامل الثابتة.
ومع ذلك فإن مبدأ الوجوب هذا لا يتضمن تبسيطا للحوادث، وفي الحقيقة أن تفسيرها أكثر تعقيدا مما في الزمن الذي كانت الحكمة الربانية تقدم فيه إيضاحا شاملا للأشياء.
والعلم، إذ يعجز عن الإبداع، يستطيع فقط أن ينظم الضرورات التي تعين حدوث الموجودات أو الأشياء، وهكذا يعالج أمر الحرارة والكهربا والحياة من غير أن يعرف شيئا عن طبيعتها، وأما عن الإيضاحات فيقتصر العلم على القول:
إن الحرارة قوة مجهولة في جوهرها قادرة على تمديد الأجسام، فتقاس بدرجة هذا التمدد، وإن الثقل قوة مجهولة في جوهرها قادرة على جذب الأجسام، فيقاس بطاقة هذا الجذب، وإن الكهربا قوة مجهولة في جوهرها، قادرة على إحداث بعض النتائج الضيائية الحارة، إلخ، فتقاس أيضا بشدة هذه النتائج، فهذه المشاهدات تدل على حد معارفنا، ولا يزال حقل العلل مغلقا. •••
وكان علم الهيئة لا يحصي غير بضعة آلاف من الكواكب في الفلك، فاكتشف الملايين منها، ويزيد هذا العدد كل يوم بزيادة إتقان مناهج الرصد، وتدفع حدود الكون إلى الوراء دائما، والآن يجب أن يفترض الكون بلا حدود، أي بلا أول ولا آخر.
وهل العالم مسير بجبرية مطلقة ملخصة بفرضية لبلاس القائلة: يستطيع ذكاء كاف أن يقرأ في السديم جميع الحوادث المتعاقبة في التاريخ؟ لا مناص من السير كما لو كانت هذه الفرضية غير موجودة وإن أثبتت.
والنجوم إذ تعاني سنة التطور التي تقضي على كل شيء بالتحول، تواجه أطوارا من النشوء بحكم الضرورة متفاوتة إلى الغاية، ومنذ الآن يلوح على ما يحتمل كون الموجودات التي تسكن سطحها، قد جاوزت أيضا أدوار نشوء متفاوتة، ولا ريب في أنه يوجد بينها من ذكاؤه بالنسبة إلى ذكاء الإنسان كذكاء الإنسان بالنسبة إلى ذكاء الحشرة.
وبما أن السلطان المطلق من خصائص العلم المطلق فإنه يجب أن تكون قدرة تلك الموجودات غير محدودة، وبما أنها تستطيع أن تطلع على الماضي بسهولة كالتي تطلع بها على المستقبل، فإنها تحوز معارف لا نكاد نبصر مداها.
ففي سر تلك المناطق البعيدة، الذي لا يدرك، يمكن الإيمان الديني في أيامنا أن يضع الآلهة الذين لم تستغن الروح البشرية عنهم قط.
الفصل الثاني
Unknown page