Falsafa Ingliziyya Fi Miat Cam

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
70

Falsafa Ingliziyya Fi Miat Cam

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Genres

26

وفيه تحل فكرة الصراع من أجل وجود الآخر محل فكرة صراع الكائن من أجل وجوده هو ذاته، بحيث يحاول أن يبين أن الظواهر الأخلاقية لا تظهر في المجال البشري وحده، بل في مجال أدنى منه بكثير في المملكة الحيوانية، وأنها ترتبط أيضا بالعمليات البسيطة للحياة، فالسلوك الغيري يسود الطبيعة بأسرها، وله من القوة ما للأنانية، كما أن قانون الحب أو الصراع من أجل وجود الآخر - وهو القانون الذي يضعه درموند مقابل المبدأ الدارويني - يسري خلال الحياة الكونية بأسرها. وهنا أيضا يظهر نفس الميل الذي اتضح في الكتاب السابق، وهو الميل إلى وضع مختلف مجالات الوجود على قدم المساواة، والجمع بينها في ظل مبدأ القانون الواحد الذي يربط بينها ويكمن من ورائها جميعا.

أما «سبلي» المؤرخ المعروف، فقد عالج المشكلة الدينية في مؤلفين نشرا غفلا من اسمه، هما: «هذا هو الرجل

Ecce Homo » (1865، وهو عرض لتعاليم المسيح، أثار ظهوره ضجة عنيفة) و«الدين الطبيعي

Natural Religion » (1882)، غير أن موقفه يقل عن موقف درموند وضوحا، فافتقار أفكاره إلى التحديد القاطع، والطريقة المختلطة التي تعرض بها، كل ذلك يترك القارئ متشككا فيما إذا كان يمثل عقيدة طبيعية مبنية على فكرة «شمول الألوهية» وحدها، أم أنه قد أبقى مكانا في نظريته للحجج المؤيدة لمذهب الألوهية والإيمان بما فوق الطبيعة. وعلى أية حال فتفكيره يميل في الأغلب إلى الاتجاه الأول، فقد كان بدوره، مثل درموند، حريصا على التوفيق بين نظرته إلى الدين وبين العلم الحديث، وعلى إظهار قوانين الطبيعة على أنها قوانين الله في الوقت ذاته، وكان مقتنعا بأن التوحيد بين الله والطبيعة، وتقديس حقيقة أعلى «في» الطبيعة، يكفل لصاحب الذهن العلمي منفذا لعاطفة دينية مشابهة لتلك التي يبعثها في ذهن الشخص النقي الإيمان بألوهية علوية مشخصة. غير أن سيلي كان أقل من درموند بكثير في درجة التزامه بالإيمان الديني، وفضلا عن ذلك فإن العوامل الجمالية تلعب دورا هاما في تفسيره للدين، فقد كان يرى أن الظواهر المميزة للمجال الديني تتمثل في كل ما يثير الحماسة ويبعث العجب، وفي كل ما يستحق التبجيل، وكل ما يبعث في الإنسان الدهشة أو يكتسب إعجابه. وعلى ذلك فقد رأى أن الحياة الدينية لا تتجسد وعبادة كائن علوي لا يدرك، بقدر ما تتمثل في التفاني المخلص في سبيل الحقيقة والمعرفة العلمية، وفي حب الجمال، وفي نقاء الضمير وحيويته، أي إنها بالاختصار تكون في كل سعي وراء الحق والخير والجمال. وهكذا فإن تعاليم سيلي، التي يضفي فيها على القيم الثقافية للإنسان نوعا من السمو الديني، ترتد في النهاية إلى عبادة الثقافة أكثر مما ترتد إلى عبادة الطبيعة، فهي تعبر عن شخصية واسعة الثقافة تستجيب لحياة الذهن في جميع أوجه نشاطها، أكثر مما هي بديل هزيل لعقيدة العالم أو إيمان روح يعد الدين بالنسبة إليها تجربة هامة بحق.

فإذا انتقلنا إلى الأخلاق التطورية، وجدناها تسير عموما في مسار أضيق وأوضح معالم من مسار الفلسفة الدينية التطورية، وإن يكن يوجد هنا أيضا عدد من الاختلافات والفوارق التي ينبغي ملاحظتها. ولقد أشرنا من قبل إلى سماتها الرئيسية، وإلى بعض صورها المميزة عند بحثنا لسبنسر وهكسلي ووستر مارك وكليفورد. وما زال أمامنا عدد من المفكرين الذين يحسن جمعهم سويا؛ لأنهم قد أولوا مشكلة الأخلاق أهمية كبرى، وأهم هؤلاء جميعا هو السير لزلي ستيفن

Sir Leslie Stephen (1832-1904)، الذي تضمن كتابه المنهجي الرئيسي «علم الأخلاق

The Science of Ethics » (1882) ما يمكن أن يعد أنضج وأكمل محاولة لبناء الأخلاق على أساس فلسفة تطورية. ولقد كان ستيفن كاتبا موهوبا متعدد الجوانب إلى حد بعيد، امتزجت كتاباته بالحياة العقلية للعصر الفكتوري على أنحاء شتى، وكانت لها ثمرات في ميدان الصحافة، وفي ميدان كتابة السير، وفي التاريخ الفلسفي والأدبي، وفي الفلسفة المنهجية إلخ، ومنذ سنة 1882 حتى 1891 كان على رأس مشروع من أهم المشروعات الأدبية الإنجليزية، وهو القاموس الهائل المعروف باسم «قاموس السير القومية

Dictionary of National Biography » والذي أسهم فيه ستيفن نفسه بكتابات متعددة. وأهم أعماله الأخرى «تاريخ الفكر الإنجليزي في القرن الثامن عشر

Hist. of English thought in The XVIII century » (في مجلدين، 1876، انظر من قبل ص [83]) وهو وصف رائع لعصر التنوير في إنجلترا، أعقبه بعد ذلك كتاب أشبه بتكملة الكتاب السابق، يتعلق بالقرن التاسع عشر، (هو «أصحاب مذهب المنفعة من الإنجليز

Unknown page