Falsafa Ingliziyya Fi Miat Cam

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
71

Falsafa Ingliziyya Fi Miat Cam

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Genres

The English Utilitarians » في ثلاثة مجلدات، 1900) وتشمل كتاباته الأخرى التي يغلب على محتواها الطابع الفلسفي «مقالات في التفكير الحر والحديث الصريح

Essays on Free Thinking and Plain Speaking » (1873) و«دفاع عن اللاأدرية

An Agnostics Apology » (1893) و«الحقوق والواجبات الاجتماعية

Social Rights and Duties » (في مجلدين، 1896).

ولقد كان ستيفن ينتمي أصلا إلى أوساط متمسكة بالدين، حتى إنه رسم قسيسا في شبابه، ثم عكف فيما بعد على الفلسفة، وأدى به تأثره المتزايد بمل أولا، ثم بدارون، وأخيرا بسبنسر؛ إلى الانسحاب تدريجيا من الكنيسة، حتى تخلى أخيرا عن مركزه الديني في عام 1875، ومنذ ذلك الحين أصبح يصف نظرته إلى العالم بأنها نظرة مفكر حر يقول باللاأدرية. وكان في الشئون الدينية ممثلا كاملا، ولكنه متأخر، لعصر «التنوير» تقترب آراؤه كثيرا من آراء هيوم فيلسوفه المفضل، كذلك كان يدين بموقفه الفلسفي من المسائل الأخرى التجريبية الإنجليزية الكلاسيكية ولعصر التنوير بقدر ما يدين للمفكرين المحدثين، واقترب من لوك وهيوم وأخلاقيي القرن الثامن بقدر ما اقترب في البداية من مذهب المنفعة عند بنتام ومل الأب والابن، وبقدر ما اقترب فيما بعد من تطورية سبنسر ودارون.

وهكذا استوعب ذهنه وتشرب كل أفكار التراث الإنجليزي، الذي كانت لديه به معرفة تاريخية أعمق من معرفة معاصريه به، ففي تفكيره تظهر دواما تلك الخصائص المشتركة لهذا التراث، أعني العداء للميتافيزيقا، واللامبالاة إزاء الدين (وهي تزيد في حالته بحيث تبلغ حد الازدراء، والإنكار الصريح، إن لم يكن الإلحاد المعترف به علنا)، والإهابة المتكررة بالتجربة بوصفها المصدر الوحيد لمعرفتنا (وهو يرى أن الحقيقة الأساسية للاأدرية إنما تكمن في هذه الإهابة، لا في مذهب ميتافيزيقي كما ذهب سبنسر وغيره)، وتمجيد العلم الدقيق، الذي يرى أنه الأنموذج الوحيد السليم للفلسفة بدورها، والذي يبنى عليه كل تقدم بشري، ورفض كل الحقائق الأولية، وكل استنباط وتركيب من العقل الخالص، وخصائص كثيرة غيرها. غير أن أهميته الفلسفية لا تنحصر فيما هو مشترك بينه وبين السابقين عليه ومعاصريه، بل في محاولته الوصول إلى صيغة وحل خاص به للمشكلات التي ورثها، على أنه لم يصل في هذه المحاولة إلى أية نتيجة إلا في ميدان الأخلاق.

فإذا كان سبنسر هو الذي وضع أسس الأخلاق التطورية، فإن ستيفن هو الذي ارتفع بالبناء إلى أعلى نقطة بلغها. وهكذا فإن كتاب ستيفن «علم الأخلاق» ليس مجرد تكملة لرسالة كتاب سبنسر «معطيات الأخلاق»، وإنما هو يمثل تقدما حقيقيا عليه، وفيه يعمق المحتوى الفلسفي لكتاب سبنسر ويعلي من قيمته. وفي وسعنا أن ندرك بوضوح نوايا المؤلف من عنوان الكتاب ذاته، فالأخلاق يمكن أن تبحث علميا، وينبغي أن تطبق عليها المناهج العلمية، ومن ثم فمن الواجب أن تتحرر الأخلاق من كل تأمل ميتافيزيقي وجزاء ديني، وتقتصر على التزام حدود التجربة. وفضلا عن ذلك فلا شأن لعلم الأخلاق بالميادين الأخلاقية التي يفترض أن لها يقينا حدسيا أو أنها مستمدة من اعتبارات منطقية بحتة، بل إن وظيفتها هي وصف الوقائع الأخلاقية وتحليلها كما تعطى في التجربة وتعرض للملاحظة، حتى تستمد منها السمات العامة للسلوك الإنساني والطبيعة البشرية، وعليها أن تبحث في منشأ هذه الوقائع والدور الذي تلعبه في العملية التطورية الكونية الشاملة. وإذن فالبحث في الأخلاق يتشابك في معظم الأحيان مع الأبحاث في علم البيولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع، ومن هذه العلوم تستمد الأخلاق كل تبصر أصيل تكشف عنه.

ولهذا الاندماج بين الحياة الأخلاقية وبين الوقائع الاجتماعية أهمية خاصة؛ ذلك لأن ستيفن يحاول - متجاوزا في ذلك المذهب النفعي وسبنسر بمراحل - أن يحرر الأخلاق من كل الحدود والشروط أو الظروف الفردية، وأن يدمجها في النسيج الاجتماعي تماما. وإذن فأول ما ينبغي عمله هو تحديد علاقة الفرد بالجماعة، والنتيجة هي ألا نتصور الفرد على أنه وحدة لا تتجزأ، قائمة بذاتها، أو المجتمع على أنه مجرد مجموع لمثل هذه الوحدات، وإنما تكون المحصلة النهائية علاقة عضوية يكون فيها المجتمع، بوصفه كائنا اجتماعيا، مشتملا على الكائن المنفرد المنعزل بوصف هذا الأخير جزءا من كيانه، ولكن يستحيل تصور هذا الأخير بمعزل عن هذه العلاقة على الإطلاق، وفي هذا الصدد يستخدم ستيفن تعبيرا حيا موفقا ليدل على الفرد، هو «النسيج الاجتماعي

Social tissue » ويستخدم هذا اللفظ أيضا للدلالة على الكل الاجتماعي، بحيث يتمثل الفرد الواحد كما كان مغزولا في هذا النسيج الكامل بكل خيط في وجوده، ونتيجة لذلك بالنسبة إلى سلوك الإنسان هي أنه مهما بدا للإنسان أن يستهدف غايات وأغراضا خاصة به، فإنه مع ذلك واقع تحت ضغط المجتمع إلى درجة واضحة، وهو يعبر عن مصالح المجتمع حتى لو بدا أن الدوافع الأنانية هي مصدر سلوكه، فحتى تلك الأفعال التي تستهدف صالح الفاعل وحده، أي إشباع رغبة فردية في اللذة أو النفع الشخصي، ترجع في أصلها إلى شخصية الفرد التي هي أساسها، وهذه الشخصية من نتاج النسيج الاجتماعي إلى حد بعيد جدا، وتكاد كلها تتحدد وتشكل بعوامل حياة الجماعة.

أما المعيار الأخلاقي الذي يستتبعه هذا الموقف فليس سعي الفرد الشخصي إلى السعادة، ولا هو البحث عن أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس؛ إذ إن كل النظريات المبنية على فكرة اللذة والسعادة تنطوي آخر الأمر على افتراض أن الفرد ذرة منعزلة مستقلة داخل الجماعة، وإنما المعيار الصحيح هو صحة الكائن العضوي الاجتماعي وكفاءته. فالفعل يكون خيرا من الوجهة الأخلاقية إذا كان يؤدي إلى تقدم ونهوض حقيقي في حياة الجماعة ، والجماعة تكون أقدر على حفظ ذاتها في الصراع من أجل البقاء إذا كانت المعايير الأخلاقية المتحكمة في أفرادها تقوم على استهداف سلامة المجتمع من حيث هو كل، والهدف الأخير لكل أخلاق إنما هو سلامة النسيج الاجتماعي وقوته وكفاءته وحيويته، ولا يكون السلوك متمشيا مع القانون الأخلاقي إلا بقدر ما يتجه إلى تحقيق هذه الغاية، وتزداد حيوية النظام الاجتماعي بقدر ما يصل إلى حالة توازن ويحتفظ بها. وعلى ذلك فإن للأخلاق هدفا آخر هو الوصول إلى حالة التوازن الاجتماعي والاحتفاظ بها، فإذا ما شئنا أن نعبر عن هذه الفكرة من وجهة نظر التطور الاجتماعي، لقلنا إن المبادئ الأخلاقية تقبل بعد عملية انتقاء طبيعي، وإن النمط الأخلاقي الذي يغلب على الباقين هو الأكثر فعالية، وهو الأقدر على الحياة، وهو الذي يكشف عن أكبر قدر من التوازن.

Unknown page