أن قطع فيه مراحل كحاله قبل الطلب!
والطالب الذي وَفَّقَه الله وحَصَّل شيئًا من العلم الشرعي؛ عليه أن يَنظر إلى أقرانه الذين كانوا معه في الدراسة أو في بداية الطلب ونشأ بينهم، ولم يُكملوا السَّير فيه؛ ليعلم أن الله قد اختاره دون غيره من أقرانه؛ لسلوك ذلك السبيل العظيم المُوَصِّل إلى الجنة؛ وليضع نُصب عينيه ما رواه أبو داود والترمذي عن كثير بن قيس، قال: «كنت جالسًا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل، فقال: يا أبا الدرداء: إني جئتك من مدينة الرسول ﷺ لحديثٍ بَلغني أنَّك تُحدثه عن رسول الله ﷺ ما جئت لحاجة، قال: فإني سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «مَنْ سلك طريقًا يَطلب فيه علمًا سَلَك الله به طريقًا مِنْ طُرُق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإنَّ فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا دِرهمًا؛ وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر» (^١).
فلا شكَّ أن ميراث المرء يناله في الدنيا أقرب الناس إليه؛ وهذا يدل على أن أهل العلم هم أقرب الناس للنبي ﷺ، والنبي إنما وَرَّث هذا العلم وخَلَّفه؛ وطلاب العلم هم الذين حملوا ميراثه، وهذا فضل عظيم وشرف رفيع.
ففضل العلم معلوم، ومهما بذل طالب العلم مِنْ وقت وجهد فهو في نجاح وفلاح، وهو في طريق عليه أن يلزمه ولا يحيد عنه أبدًا؛ فإن نهايته إلى جنة الله ورضوانه، وقد بَشَّره النبيُّ ﷺ بقوله: «مَنْ يُرِد الله به خيرًا يُفقهه في الدين، وإنما أنا