Al-Durr al-Farīd wa-Bayt al-Qaṣīd
الدر الفريد وبيت القصيد
Editor
الدكتور كامل سلمان الجبوري
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أنْوَاع السَّرِقَاتٍ:
السِّرْقَةُ: إِتْيَانُ الشَّاعِرِ بِلَفْظٍ، أَوْ مَعْنًى أَوْ كِلَيْهِمَا، قَدْ سَبَقَهُ بِهِ المُتَقَدِّمُ قَبْلَهُ. وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ وأَنْوَاعًا قَدْ سَمَّاهَا الفُضَلَاءُ وَأَهْلُ العِلْمِ وَالأَدَبِ أَسْمَاءً تَمَيَّزَتْ بِهَا، وَوَقَعَ الاصْطِلَاحُ بَيْنَهُم عَلَيْهَا تَغَاضيًا للشَّاعِرِ فِيْهَا لِيُغَيّرَوا هُجْنَة اسمِ السَّرِقَةِ عَنْهَا، وَيَعْرِفُوْهَا بِاسْمٍ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْهَا؛ وَذَلِكَ لأَنَّ "كَلَامَ العَرَبِ مُلْتبسٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَآخِذٌ أَوَاخِرُهُ مِنْ أَوَائِلِهِ. وَالمُبْتَدَعُ مِنْهُ وَالمُخْتَرَعُ قَلِيْل إِذَا تَصفَّحْتَهُ وَامْتَحَنْتَهُ وَاخْتَبَرْتَهُ، وَالمُحْتَرسُ المُتَحَفِّظُ المَطْبُوْعُ بَلَاغَةً وَشِعْرًا مِنَ المُتَقَدِّمِيْنَ وَالمُتَأَخِّرِيْنَ لَا يَسْلَمُ أَنْ يَكُوْنَ كَلَامُهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ، وَإِنْ اجْتَهَدَ فِي الاحْتِرَاسِ، وَتَخَلَّلَ طُرُقَ الكَلَامِ، وَبَاعَدَ فِي المَعْنَى، وَقَارَبَ فِي اللَّفْظِ، وَأفْلَتَ مِنْ شِبَاكِ التَّدَاخُلِ. ألَا تَرَى إِلَى الأَعْرَابِيِّ البَادِيءِ لَا يَكْتبُ، وَلَا يَقْرَأُ، وَلَا يَرْوِي، وَلَا يَحْفَظُ، وَلَا يَتَمَثَّلُ، وَلَا يَحْذو، لَا يَكَادُ كَلَامُهُ يُخْرِجُ عَنْ كَلَامِ مَنْ كَانَ قَبلَهُ، وَلَا يَسْلُكُ إِلَّا طَرِيْقَةً قَدْ ذُلِّلَتْ لَهُ. فَكَيْفَ لَا يَكُوْنُ ذَلِكَ مَعَ المُتَكَلِّفِ المُتَصَنِّع، وَالمُتَعَمِّدِ القَاصِدِ؟ وَمَنْ ظَن أَنَّ كَلَامَهُ لَا يَلْتَبسُ بِكَلَامِ غيْرِهِ، فَقَدْ كَذَبَهُ ظَنُّهُ، وَفَضَحَهَ امْتِحَانُهُ وَلَوْ نَظَرَ نَاظِر في مَعَانِي الشِّعْرِ وَأَلْفَاظِ البَلَاغَةِ حَتَّى يُخَلِّصَ لِكُلِّ شَاعِرٍ أَوْ بَلِيغٍ مَا بَرَعَ فِيْهِ مِنْ لَفْظٍ، وَتَفَرَّدَ بِهِ مِنْ مَعْنًى لَمْ يَشْرَكْهُ فِيْهِ أحَدٌ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ،
= وَكَقَوْلِ آخَر (١):
لَا أقْتَضِيْكَ عَلَى السَّمَاحِ لأَنَّهُ ... لَكَ عَادَةً لَكِنَّنِي أَنَا مُذْكِرُ
وَكَذَى السَّحَابُ إِذَا تَمَسَّكَ ... بِالخيَارِ غِبُوا إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ فَيَمْطُرُ
وَكَقَوْلِ الآخَر:
جِئْتُكَ لِلإِذْكَارِ مُسْتَحْرِصَا ... لَا لِتَقَاضِيْكَ وَحُوْشِيَتا
فَلَسْتَ بِالمُهْمِلِ لَكِنَّمَا ... لِكِثْرَةِ الأَشْغَالِ أُنْسِيْتَا
(١) لسالم بن علي بن سلمان، ابن العودي في الوافي بالوفيات ١٥/ ٨٨.
1 / 338