218

Al-Durr al-Farīd wa-Bayt al-Qaṣīd

الدر الفريد وبيت القصيد

Editor

الدكتور كامل سلمان الجبوري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

وَنَظَافَةُ الحَشْوِ:
هَذَا بَابٌ لَطِيْفٌ جِدًا، لَا يَتَيَقَّظُ لَهُ إِلَّا مَنْ شَفَّ جَوْهَرُهُ، وَتَوَقَّدَتْ قَرِيْحَتُهُ، وَغَزُرَتْ مَادَّتُهُ، وَكَانَ طَبًّا بِمَجَارِي الكَلَامِ، عَارِفًا بِأسْرَارِ الشِّعْرِ، مُتَصَرِّفًا فِي أَفَانِيْنِهِ، عَالِمًا بِقَوَانِيْنِهِ.
فَالحَشْوُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أحَدُهُمَا: يُسَمَّى الالْتِفَاتُ، وَيُسَمِّيْهِ قَوْمٌ الاعْتِرَاضِ، وَهُوَ أَنْ يَكُوْنَ الشَّاعِرُ آخِذًا فِي مَعْنًى، فَيَعْدِل عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ قَبْلَ إتْمَامِ الأوَّلِ، ثُمَّ يَعُوْدَ إِلَيْهِ فَيُتَمِّمَهُ، فَيَكُوْنِ مَا عَدَلَ إِلَيْهِ مُبَالَغَةً فِي المَعْنَى الأوَّلِ، وَزِيَادَةً فِي حُسْنِهِ حَتَّى رُبَّمَا نَقَصَ رَوْنَقُ الكَلَامِ وَالمَعْنَى بِفَقْدِهِ، وَهُوَ دُوْنَ دَرَجَةِ التَّتْمِيْمِ الآتِي ذِكْرُهُ فِيْمَا بَعْدُ.
وَقَرِيْبٌ مِنْهُ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ (١): [من الوافر]
ألَا زَعِمَتْ بَنُو عَبْسٍ بِأنِّي ... ألَا كَذَبُوا كَبِيْرُ السِّنِّ فَانِي
فَقَوْلُهُ: ألَا كَذَبُوا اعْتِرَاضٌ بَيْنَ أوَّلِ الكَلَامِ وَآخِرِهِ، وَفِيْهِ زِيَادَةُ مُبَالَغَةٍ لَمَا أرَادَهُ.

= وَأَوَلُ هَذِهِ الأَبْيَاتِ:
عُوْجُوا فَحَيُّوا لنعمٍ دُمْنَةَ الدَّارِ ... مَاذَا تُحَيُّوْنَ مِنْ نُؤْيِ وَأَحْجَارِ
يَقُوْلُ مِنْهَا:
فَمَا وَجَدْتُ بِهَا شَيْئًا أَعِجُّ بِهِ ... إِلَّا الثَّمَامَ وَإِلَّا مَوْقِدَ النَّارِ
وَقَدْ أَرَانِي وَنعْمًا لَاهِبيْنَ بِهِ فِي الدَّهْرِ ... وَالعَيْشِ لَمْ يَهْمم بِإِمْرَارِ
أَيَّامَ تُعْجِبُنِي نعمٌ وَأُخْبرُهَا مَا ... أَكْتَمَ النَّاسُ مِنْ حَاجِي وَأَسْرَارِي
لَوْلَا حَبَائِلَ مِنْ نعمٍ عَلِقْتُ بِهَا ... لأَقْصَرَ القَلْبُ مِنِّي أَيُّ إِقْصَارِ
أُنْبِئْتُ نُعْمًا عَلَى الهِجْرَانِ عَاتِبَةً ... سَقْيًا وَرَعْيًا لِذَاكَ العَاتِبِ الزَّارِي
إِذَا تَغَنَّى الحَمَامُ الوُرْقُ ذَكَّرَنِي ... وَلَوْ تَغَرَّبَتْ عَنْهَا أُمُّ عَمَّارِ
(١) البيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص ١٢٦ وليس للذبياني، وهذا وهم من المؤلف.

1 / 220