Durar
الدرر في اختصار المغازي والسير
Investigator
الدكتور شوقي ضيف
Publisher
دار المعارف
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٠٣ هـ
Publisher Location
القاهرة
فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ [وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ] ١ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ [لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ] ٢ فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ٣: أَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبِّي إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِمَا شِئْتَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه ﷺ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ [وَحْدَهُ] ٤ وَلا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا*.
[إِسْلَام الطُّفَيْل بْن عَمْرو الدوسي] ٥
قَالَ الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو عمر ﵁: وَبعد رُجُوع رَسُول اللَّه ﷺ مِنَ دُعَاء ثَقِيف قدم عَلَيْهِ الطُّفَيْل بْن عَمْرو الدوسي، فَدَعَاهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِلَى الْإِسْلَام، وَأمره بِدُعَاء قومه، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه، اجْعَل لي آيَة تكون لي عونا. فَدَعَا لَهُ رَسُول اللَّه ﷺ، فَجعل اللَّه فِي وَجهه نورا، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَخَاف أَن يجعلوها مثلَة، فَدَعَا لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ، فَصَارَ النُّور فِي سَوْطه، فَهُوَ
_________
١ زِيَادَة من مُسلم وَابْن سيد النَّاس.
٢ زِيَادَة من مُسلم وَابْن سيد النَّاس.
٣ فِي مُسلم: وَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمك وَأَنا ملك الْجبَال.
٤ زِيَادَة من مُسلم.
* قلت الأخشبان هَا هُنَا جبلا مَكَّة، وَالْعرب تسمى الْجَبَل المتوعر باسم أخشب. وَبِهَذَا الصَّبْر على الأذي والكف عَن الدُّعَاء فصل مُحَمَّدٍ ﷺ على نوح [ﷺ] ﵇ فَإِنَّهُ دَعَا على قومه، وَمُحَمّد دَعَا لِقَوْمِهِ، فَنَاسَبَ إشفاقه عَلَيْهِم فِي الدُّنْيَا أَن يشفع لَهُم فِي الْآخِرَة وَيَقُول نوح يَوْمئِذٍ: نَفسِي نَفسِي، إِنِّي دَعَوْت دَعْوَة على قومِي.
٥ انْظُر إِسْلَام الطُّفَيْل وآيته فِي ابْن هِشَام ٢/ ٢١ وَابْن سعد ج٤ ق١ ص١٧٥ وصحيح البُخَارِيّ ٥/ ١٧٤ وَابْن حزم ص٦٧ وَابْن كثير٣/ ١٣٥ وَابْن سيد النَّاس ١/ ١٣٩ وَقد لخص كَلَام ابْن سعد. وَكَانَ الطُّفَيْل شريفا فِي قومه شَاعِرًا نبيلا كثير الضِّيَافَة، فَقدم مَكَّة، فحاولت قُرَيْش مَنعه من لِقَاء الرَّسُول ﷺ، وَلكنه لم يستمع إِلَيْهَا، وَلَقي الرَّسُول فَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام وتلا عَلَيْهِ الْقُرْآن، فَقَالَ: لَا وَالله مَا سَمِعت قولا قطّ أحسن من هَذَا وَلَا أمرا أعدل مِنْهُ، وَأسلم وَدخل فِي دين الله. وَعَاد إِلَى قومه وَمَعَهُ الْآيَة الَّتِي صورها ابْن عبد الْبر، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام، فَتَبِعَهُ بَعضهم. وَمَا زَالَ بَينهم حَتَّى هَاجر بعد غَزْوَة الخَنْدَق فِي أثْنَاء فتح الرَّسُول ﷺ لخيبر. فَقدم عَلَيْهِ بهَا فِيمَا بَين السّبْعين والثمانين بَيْتا من قومه. وَقد أبلي فِي حروب الرِّدَّة بلَاء حسنا، وَقتل بِالْيَمَامَةِ شَهِيدا.
1 / 64