التاسع: إخفاؤه سرا فلا يسمع غير من يناجيه لقوله سبحانه وتعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية}، وقال تعالى حكاية عن زكريا -عليه السلام-: {إذ نادى ربه نداء خفيا}، فكانت الإجابة بأن وهب له يحيى -عليه السلام-، ومعنى ((خفيا)) والله تعالى أعلم: كما قال بعض العلماء: أخفى دعاءه في جوف الليل، وناجاه سرا في نفسه. وقال الحسن البصري: ((كان الناس يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا، فيما بينهم وبين ربهم)).
وفي ((الصحيح)) أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع الناس يصعدون في ثنية فجعل رجل كلما علا ثنية قال: لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تناجون أصما ولا غائبا والذي تدعونه أقرب من عنق راحلة أحدكم)). ومعنى ((اربعوا على أنفسكم)): كفوا.
وقال بعض السلف: دعوة سرا أفضل من سبعين دعوة جهرا علانية.
العاشر: الاضطرار: قال العلماء: أقرب الدعاء من الإجابة الدعاء الخالي؛ وهو أن يكون صاحبه مضطرا له أن يدعو من أجل ما نزل به.
قال ابن عطاء: وصفة المضطر أن يكون العبد كالغريق، أو كالملقى في مقافر من الأرض، وقد أشرف على الهلاك، فمن صدق اللجاء إلى الله تعالى، والاستغاثة به، أجيبت دعوته في الحال -يريد غائبا- قال الله تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه}.
ومن صدق دعاء المضطر ما حكاه عبد الواحد بن زيد البصري قال:
Page 149