إلا أن الغالب من أتى به في شروط حصلت له الإجابة بفضل الله سبحانه، ومنه، وسنذكر شروطه إن شاء الله تعالى:
قال القاضي أبو بكر ابن العربي في كتابه ((مراقي الزلف)):
حقيقة الدعاء: مناداة الله تعالى لما يريد من جلب منفعة، أو دفع
مضرة من المضار والبلاء بالدعاء، فهو سبب لذلك، واستجلاب لرحمة المولى كما أن الترس سبب لرد السهم، والماء سبب لخروج النبات من الأرض، والدعاء سلاح المؤمنين، فإن كان العبد دائم الذكر، والدعاء والتضرع إلى الله تعالى، فإن الملائكة تحفظه من جميع المكاره، فكلما جاءه ضر، أو مكروه من أحد من المخلوقين منعته الملائكة، وصدت في وجهه، فلا يزال محفوظا من جميع الجهات، إلا جهة فوق، فإن القضاء والقدر نازلان به، فإذا نزل القضاء والقدر أسلمته الملائكة.
لذلك فينبغي أن تحرس من جهة فوق بالعمل الصالح، فإنه لا بد لكل عبد من طريق إلى السماء يصعد منه عمله، وينزل منه رزقه، ومنه يقبض روحه، ومنه يصعد، فإذا كان العبد مدمنا على الطاعات مواظبا للخيرات، كثير الدعاء، كثر صعود عمله الصالح إلى السماء، فلا تزال تلك السبل معمورة بالخيرات، فإذا نزل البلاء من السماء نزل على طريقة العبد المتعينة له، فيجدها معمورة بالخيرات، مملوءة بالطاعات، فيحبس ذلك البلاء عن النزول، ولا يجد منفذا إليه، فيكون دعاؤه وعمله الصالح قد حجب عنه البلاء، لأن الدعاء من الله بالمكان العالي، فيتصادم البلاء والدعاء، فتارة يغلب الدعاء، وتارة يغلب البلاء، فيدفع الدعاء، فهما كالمتصارعين، فإن غلب الدعاء رفع البلاء، فخرق السموات، وارتقى إلى الله تعالى، وإن غلب البلاء أزال الدعاء، ونزل على العبد، وإليه الإشارة بقوله تعالى:
{والله غالب على أمره}.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يزال الدعاء والبلاء يقتتلان إلى يوم القيامة)). فهذا كون الدعاء سببا لرد البلاء.
Page 144