وإن أعرضت عني فموه مغالطا ... بغيري وقل ناحت عليه النوائح
وقول الآخر دوبيت:
باللطف إذا لقيت من أهواه ... عاتبه وقل له الذي ألقاه
أن أغضبه الوصال غالطه به ... أورق فقل عبدك لا تنساه
وقال أبو فراس:
هبت لنا ريح شمالية ... متت إلى القلب بأسباب
أدت رسالات الهوى بيننا ... عرفتها من بين أصحابي
وكان الصاحب بن عباد ﵀ إذا سمع هذين البيتين ترمخ لهما وقد عقدت للنسيم بابًا مستقلًا في كتابي سلوك السنن في وصف السكن وذكرت فيه أشياء تليق بهذا الباب منها قول أمين الدين ابن عطايا:
أنا أهوى غصن النقى وهؤلاء ... وفؤادي بحبه في التيه
يا نسيم الصبا ترفق عليه ... وتلطف به ولا تؤذيه
وتحمل رسالة ليس إلا ... ك أمينًا في حملها أرتضيه
وإذا لم يكن رسولي نسيمًا ... نحو غصن النقا فمن يثنيه
وقال ابن الخياط الدمشقي
يا نسيم الصبا الولوع بوجدي ... حبذا أنت لو مررت بهند
ولقد رابني شداك فبالله متى عهده باطلال نجد.
وقال مهيار الديلي:
حملوا ريح الصبا نشركم ... قبل أن تحمل شيحًا وخزامى
وابعثوا لي في الدجى طيفكم ... إن أذنتم لجفوني أن تناما
حكي أن نور الدين علي بن سعيد المغربي صاحب المرقص والمطرب مر مع جماعة من الأدباء المصريين وفيهم أبو الحسين الجزار فمروا في طريقهم بمليح نائم تحت شجرة وقد هب الهوى فكشف ثيابه عنه فقال أبو الحسين الجزار قفوا لينظم كل منا في هذا شيئًا قال فما لبث أن قال نور الدين المذكور:
الريح أقود ما يكون لأنها ... تبدي خفايا الردف والأعكان
وتميل بالأغصان عند هبوبها ... حتى تقبل أوجه الغدران
ولذلك العشاق يتخذونها ... رسلًا إلى الأحباب والأوطان
وقال أبو الحسين الجزار ما بقي أحد منا يأتي بمثل هذا فسيروا بنا.
وقال علي الصفار:
إذا هب نسيم بطيب نشر ... طربت وقلت إيه يا رسول
سوى أني أغار لأن فيه ... شذاك وأنه مثلي عليل
وكان القاضي محي الدين بن عبد الظاهر يحب شابًا مغنيًا اسمه نسيم وله فيه عدة مقاطيع منها قوله:
إن كانت العشاق من اشواقهم ... جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا
فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني ... كنت اتخذت مع الرسول سبيلا
فقلت: أنا كأني حاضر أخاطبه مضمنًا.
إن كنت في عشق النسيم متيمًا ... وزعمت أن هواء ليس بمتلف
فأنا أقول لمن تحرش بالهوى ... عرضت نفسك للبلى فاستهدف
وقال القاضي محي الدين أيضًا في محبوبه النسيم:
يا من غدا لي من عوا ... صف هجرة الريح العقيم
أترى يطبب لي الهوى ... ويقال قد رق النسيم
وقلت أنا كأني حاضرًا خاطبة:
بالله إن رق النسيم وأخمدت ... نار تؤججها يد التبريح
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ودع العدول وقوله في الريح
وقال القاضي محي الدين أيضًا:
شكرا لنسمة أرضكم ... كم بلغت عني تحية
ولكم أطالت بل أطا ... بت في رسائلها الذكية
لا غرو إن حفظت أحا ... ديث الهوى فهي الذكية
أخذه صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي من أهل العصر فقال:
يا طيب نشر هب لي من أرضكم ... فأثار كامن لوعتي وتهتكي
أهدي تحيتكم وأشبه لطفكم ... وروى شذاكم إن ذا ريح ذكي
فقلت أنا لما وقفت على قوله هذا وقول القاضي محيي الدين المتقدم عليه:
إن ابن أبيك لم تزل سرقاته ... تأتي بكل قبيحة وقبيح
نسب المعاني في النسيم لنفسه ... جهلًا فراح كلامه في الريح
1 / 40