أحبابه لما تفعلون بقلبه ... ماليس تفعله به أعداؤه
وقد أثبتت هذه الرسالة بكمالها في الباب الأول من كتابي مرآة العقول.
ومما ينخرط في سلك هذه الحكاية ما حكاه الشيخ أثير الدين أبو حيان في تفسيره عند قوله تعالى " يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك " ونقل عن العزيز أنه كان قليل الغيرة وتربة أقليم مصر اقتضت هذا يعني قلة الغيرة ثم قال وأين هذا مما جرى لبعض ملوك بلادنا وهو أنه كان مع ندماء المختصين به في مجلسي أنسه وجاريته تغني من وراء الستارة فاستعاد بعض جلسائه بيتين من الجارية وكانت قد غنت بهما فما لبث حتى أتى برأس الجارية مقطوعًا في طشت وقال له الملك استعد من هذا الرأس فسقط ذلك الرجل المستعيد ومرض مدة حياة ذلك الملك.
قلت: لو مات كان معذورًا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومثل هذا أيضًا ما فعله جعفر بن سليمان وذلك أنه لما اشترى جاريته الزرقاء وكانت جارية نفسه غالية الثمن وهي بثمانين ألف درهم وكانت من الفتيات الحسان ذوات الألحان فقال لها يومًا هل ظفر منك أحد ممن كان يهواك بخلوة أو بقبلة فخشيت أن يبلغه شيء كانت فعلته بحضرة جماعة أو يكون قد بلغه فقالت: لا والله إلا يزيد بن عون العبادي قبلني وقذف في لؤلؤة بعثها بثلاثين ألف درهم فلم يزل جعفر يطلبه ويحتال له حتى وقع في ديه فضربه بالسياط حتى مات.
قلت: استراح والله من هذا الصداع كله وأنشد عبد المحسن الصوري حيث قال في عدم الغيرة على محبوبه:
تعلقته سكران من خمره الصبا ... به غفلة عن لوعتي ونحيبي
وشاركني في حبه كل ماجد ... يشاركني في مهجتي بنصيب
فلا تلزموني غيرة ما ألفتها ... فإن حبيبي من أحب حبيبي
وقد بلغ الآخر فقال يتبجج بالقيادة:
أقود بحمد الله لا عن كراهة ... وغيري قواد على رغم أنفه
وما أحسن قول أبي الحسين الجزار:
قلت لما سكب الساقي ... على الأرض الشرابا
غيرة مني عليه ... ليتني كنت ترابا
وقال نور الدين الأشعري وأحسن ما شاء:
تميل الريح بالأغصان لطفا ... كما مالت بشاربها العقار
وتجمع بينهم من بعد بعد ... وأوراق الغصون لها إزار
وتخفق غيرة عند التلاقي ... فهل أبصرت قوادًا يغار
الباب السابع
إفشاء السر
والكتمان عند عدم الإمكان
أقول هذا باب عقدناه لذكر إفشاء السر وضده وهزل كل منهما وجده إذ للمحبين فيهما مذهبان فمنمهم من أباح إباحته ورأى في إفشائه راحته ومنهم من رأى كتمانه من الديانة فحل من مراتب الحب في أعز مكانة حيث قال:؟؟؟؟؟؟؟؟ باح مجنون عامر بهواه وكتمت الهوى فمت بوجدي
فإذا كان في القيامة نودي ... من قتيل الهوى تقدمت وحدي
نعم من الناس من كتمه فأراه كتمانه عدمه ومنهم من أفشاه فوقع فيما يخشاه ولكل من المذهبين شاهد وبحر دمع زائد لا ينجو غريقه ولا تسلك طريقه فالعاشق منهما بين داءين كلاهما الأخطر وسيفين لا بد من قتله بإحدهما على الصحيح الأشهر كما قال شهاب الدين السهروردي:
وارحمتا للعاشقين تحملوا ... سرالمحبة والهوى فضاح
بالسر إن باحوا تباح دمائهم ... وكذا دماء العاشقين تباح
وإذا هم كتموا تحدث عنهم ... عند الوشاة المدمع السفاح
والذي أراه في ذلك لكه وتمييز وأبله من طله أن المحب إذا علم من محبوبه الوفاء وعدم الجفاء فالواجب عليه إفشاء السر إلى الحبيب وابداء العلة إلى الطبيب كما قيل:
وبح بالسرائر في أهله ... وإياك في غيرهم أن تبوحا
وقد ظفر أبو جعفر الشطرنجي حيث قال:
قل لمن شئت أنني بك مغرم ... ثم دعه يروضه إبليس
وقد قال بعض من مارس الحب وجلب أشطره إفشاء المحب سره إلى المحبوب وشكوى ما يقاسيه طرف من السحر.
قلت: بل هو السحر ومعظمه وجله وقد عرف ذلك من جربه وأدبه الحب وهذبه.
1 / 35