وإذا رأت عيناك طرفًا أسودا ... فاعلم بأن هناك موتًا أحمرا
وأحسن زينة النساء في أجسادهن الخضاب ولذلك أطنبت فيه الشعراء وشبهوه بالعناب وغير ذلك قال أبو نواس فيه:
يا قمرًا أبصرت في مأتم ... يندب شجوًا بين أتراب
يبكي فيذري الدر من نرجس ... ويلطم الورد بعناب
وقال ابن عكاشة:
من كف جارية كأن بنانها ... من فضة قد طوقت عنابا
وما أحسن قول الواو الدمشقي: فأمطرت لؤلؤًا من نرجس وسقت وردًا وعضت على العناب بالبرد وقال المرزباني قال لي ابن دريد سهرت ليلة فلما كان آخر الليل أغمضت عيني فرأيت رجلًا طويلًا أصفر الوجه كوسجًا دخل علي وأخذ بعضادتي الباب وقال أنشدني أحسن ما قلت في الخمر فقلت ما ترك أبو نواس لأحد شيئًا فقال أنا أشعر منه فقلت ومن أنت فقال أنا ابن ناجية من أهل الشام وأنشدني:
وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... بدت بين ثوبي نرجس وشقائق
حكت وجنة المعشوق صرفًا فسلطوا ... عليها مزاجًا فاكتست لون عاشق
فقلت أسأت الترتيب فقال ولم قلت لإنك قلت وحمراء فقدمت الحمراء ثم قلت بين ثوبي نرجس وشقائق فأخرت الحمرة فهلا قدمتها على الأخرى فقال وما هذا الاستقصاء في هذا الوقت يا بغيض ثم انصرف: وقال المتنبي:
قالت وقد رأت اصفراري من به ... وتنهدت فأجبتها المتنهد
أخذه الآخر فقال:
قالت لترب معها منكرة ... لوقفتي هذا الذي نراه من
قالت فتى يشكو الهوى متيم ... قالت بمن قالت بمن قالت بمن
وقال ابن النبيه:
وفي الكلمة الحمراء بيضاء طفلة ... بزرق عيون السمر يحمي احوارها
وقال عماد الدين ابن دبوقا من أبيات:
أرى العقد في ثغره محكما ... يرين الصحاح من الجوهر
وتكملة الحسن إيضاحها ... رويناه عن وجهك الأزهر
ومنثور دمعي غدا أحمرا ... على آس عارضك الأخضر
وبعت رشادي بغي الهوى ... لأجلك يا طلعة المشترى
وقلت أنا من قصيد:
لعمرك لا زيد يكون ولا عمر ... ولا ثغر إلا دون تقبيله ثغر
لا بيض إلا أسود حظي عندها ... ولا سمر إلا دون أعطافها السمر
وقال بدر الدين بن المحدث:
يصفر لوني حين أنظر وجنة ... منها تعلم حسنه الورد الجنى
يفنى الزمان وليس يفنى حبه ... وقد انحنيت وما آراه ينحني
حكي عن أبي أيوب وزير المنصور أنه كان إذا دعاه المنصور يصفر ويرعد فإذا خرج من عنده تراجع لونه فقيل له إنا نراك مع كثرة دخولك على أمير المؤمنين وأنسه بك تتغير إذ دخلت إليه فقال مثلي ومثلك في هذا مثل بازي وديك تناظر فقال البازي للديك ما أعرف أقل وفاء منك لأصحابك فقال وكيف قال تؤخذ بيضة فيحضنك أهلك ويخرج على أيديهم فيطعمونك بأكفهم حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت من هنا إلى هنا وصحت وإن علوت حائظ دار كنت فيها سنين طرت منها وتركتها إلى غيرها وأما أنا فأوخذ من الجبال وقد كبرت فتخاط عيناي وأطعم الشيء اليسير وأساهر فأمنع من النوم وأونس اليوم واليومين ثم أطلق على الصيد وحدي فأطير إليه وآخذه وأجيء إلى صاحبي فقال له الديك ذهبت عنك الحجة أما والله لو رأيت بارزين في سفود ما عدت إليهم أبدًا وأنا في كل يوم أرى السفافيد مملوءة ديوكًا فلا تكن حليمًا عند غضب غيرك وأنتم لو عرفتم من المنصور ما أعرفه لكنتم أسوأ حالًا مني عند طلبه لكم قلت والذي هرب منه وقع فيه على الصحيح الأشهر ولم يزل يصفر منه حتى إذاقه الموت الأحمر هذا بعد أن أخذ أمواله وتركه في أسوأ حالة حكي أنه كان يدهن حاجبه بدهن يسحر فيه المنصور فلا يمكن منه إذا رآه حتى ضرب به المثل فقيل أدهن من أبي أيوب وما أفاده ذلك شيئًا لأنه فعل به ما فعل وقابله بما ليس له به قبل.
فصل
التفضيل بين البيض والسود
والسمر ذوات النهود
وهذا النوع الأخير مما يميل إليه المصريون في الغالب.
وللناس فيما يعشقون مذاهب.
فما قيل في تفضيل السمر
لا أعشق الأبيض المنفوخ من سمن ... لكنني أعشق السمر المهازيلا
1 / 30