أقول هذا باب عقدناه لذكر تغير لوني المحبين إذا وقعت العين في العين وهرب الدم إلى شبكة الدماغ فقال له الحاجر: إلى أين وقد نصت الأطباء على السبب في ذلك وجلو من اصفرار المحب واحمرار المحبوب سواد كل حالك وأنا أورد هنا ما قالوه بنصه وأصوغه كالخاتم بفصه وأعقبه بذكر ألوان الحسان بأحسن بيان وأوضح تبيان هذا مع ما ينجر في ذيل ذلك من التفصيل بين السمر والبيض ووقوع محب السمان من الشعور والأرداف في الطويل والعريض. واختم ذلك بفصل في ذكر ما يعتري المحب من خفقان قلبه وطيران عقله ولبه فأقول وبالله التوفيق.
قال بعض الأطباء: سبب اصفرار وجه العاشق الفزع فإن الدم لا يأوي مع الفزع وربما نظر المعشوق إلى العاشق فجأة فيضطرب قلبه وتشتعل الحرارة ثم تخمد فإذا خمدت برد التامور فإذا برد التامور جمد الدم واستحال اللون إلى السواد والخضرة ثم يستقر فيصفر وأما احمرار وجه المعشوق فمن الخجل والخجل عرض من حركة تامور القلب فتحيل الدم وتلطفه فيظهر في أرق مكان في الوجه وذلك عند معالجة الحرارة العرضية ومجاهدتها الدم لما يندفع فيطلب الخلاص حتى ينتهي إلى تحت الرأس فيمنعه الحاجز من النفود فيهبط إلى الوجه فيحمر الوجه قالوا والوجه الرقيق البشرة الصافي الأديم إذا خجل يحمر وإذا فزع يصفر ومنه قولهم ديباج الوجه يريدون تلونه من رقته قال الشاعر:
حمرة خلط صفرة في بياض ... مثل ما حاك حائك ديباجًا
وقالوا حمرة لون الإنسان يولدها الفرح والصحة والنعمة وصفرة لونه يولدها الفزع والبؤوس والغم والسقم وأما أحسن الألوان فإنه الأحمر بدليل أن الدم صديق الروح والحمرة لونه وأفضل الياقوت وأفخره الأحمر وأجود الذهب أحمره وأفضل العسل الذهبي والياقوتي وتمدح الأرض بحمرة التربة وأكرم الخليل أشقرها وهب ديباجها وأكرم الأبل حمرها وهي التي قال النبي ﷺ وهو يعظم مقدار ذلك لو أن لي حمر النعم ولو أن لي طلاع الأرض ذهبًا وأحسن الأنوار الورد والشقائق والجلنار وأحسن الحلل المصبوغة المعصفرة وأحسنها ما كان صبغة القرمز وأحسن الخمر الحمراء ولذلك وصفتها الشعراء بلون النار والعندم والعصفر والياقوت والعبقر وأحسن الألوان المخلوقة النار ومن أجل ذلك اكتنى عبد العزى بن عبد المطلب بالهب وكان يكنى قبل ذلك أبا عتبة لأنه كان من أحسن الناس وجهًا وكانوا يشبهون احمرار وجهه بلهيب النار لأنه كان مشرق الوجه ملتهبة كما كنى النبي ﷺ أنه قال أهلك الرجال الأحمران وأهلك النساء الأحامرة والأحمران الخمر اللحم والأحامرة الذهب والزعفران الخمر والخمر واللحم قال الشاعر:
إن الأحامرة الثلاثة ضيعت ... مالي وكنت بهن قدمًا مولعًا
الخمر واللحم السمين وما طلى ... بالزعفران فلا أزال مروعًا
وكان النبي ﷺ يعجبه الطائر الأحمر وقال وهب ابن عبد الله ما رأيت ذالمة سوداء في حلة حمراء أحسن من رسول الله ﷺ. قال المتنبي من الجأذر في زي الأعاريب.
حمر الحلى والمطايا والجلاليب.
وأما قول الشاعر:
هجان عليها حمرة في بياضها ... تروق به العينين والحسن أحمر
فإنه عني به الحسن في حمرة اللون مع البياض دون غيره من الألوان وقال ابن عبد ربه الحسن أحمر وقد تضرب فيه الصفة لطول المكث في الكون والضمخ بالطيب.
قال أعرابي:
وما تسليت عن صفراء حالية ... كالعاج صفرها إلا كان والطيب
وقال آخر:
كأن لون البيض في الأدحى ... لونك لولا صفرة الجاوي
يريد أنها تتضمخ بالجاوي وهو الزعفران وصفة البيضة لا تدرك صفرته وقالوا الجارية الحسناء تتلون تلون الشمس فهي بالضحى بيضاء وبالعشاء صفراء.
قال الشاعر:
بيضاء صحوتها وصفراء ... العشية كالنهار
وقال بشار بن برد:
فخذي محاسن زينة ... ومعصفرات هن أفخر
فإذا بلغنا فادخلي ... في الحمرات الحسن أحمر
وقال الحريري في ردة الغواص أما قولهم الحسن أحمر فمعناه أنه لا يكتسب ما فهي الجمال إلا بتحميل مشقة يحمار منها الوجه كما قالوا للسنة المجدبة حمراء كنوا عن الأمر المستعصب بالموت الأحمر كما قيل:
1 / 29