فصل: قال روضة المحبين كان النبي ﷺ يدعو الناس إلى جمال الباطن بجمال الظاهر كما قال جرير بن عبد الله وكان عمر بن الخطاب يسميه يوسف هذه الأمة قال: قال لي رسول الله ﷺ " أنت امرؤ حسن الله خلقك " وقال بعض الحكماء ينبغي للعبد أن ينظر كل يوم في المرآة فإن رأى صورته حسنة فلا يشنها بقبيح فعله وإن رآها قبيحة فلا يجمع بين قبح الصورة والفعل. وقد نظم بعضهم هذا فقال:
يا حسن الوجه توق الحنا ... لا تفسدنّ الزين بالشين
ويا قبيح الوجه كن محسنًا ... لا تجمعن بين قبيحين
ولما كان الجمال من حيث هو محبوبًا للنفوس معظمًا في القلوب لم يبعث الله نبيًا لا جميل الوجه كريم الحسب حسن الصوت كما قال علي بن أبي طالب وقد سئل أكان وجه الرسول ﷺ مثل السيف قال: لا بل مثل القمر وفي صفته ﷺ كأن الشمس تجري في وجهه فكان كما قال شاعرة حسان بن ثابت:
متى يبدو في الدجي البهيم جبينه ... يلح مثل مصباح الدجى المتوقد
فمن كان أو من قد يكون كأحمد ... نظام لحق أو نكال لمعتدي
وقال أيضًا:
فأجمل منه لم تر قط عيني ... وأكمل منه لم تلد النساء
خلقت مبراء من كل عيب ... كأنك قد خلقت كما تشاء
وكان أبو بكر الصديق ﵁ إذا رآه يقول:
أمين مصطفى بالحير يدعو ... كضوء البدر زايله الظلام
وكان عمر بن الخطاب ﵁ إذا رآه ينشد قول زهير:
لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المضيء لليلة البدر
ونظرت إليه عائشة يومًا ثم تبسمت فسألها عن ذلك فقالت: كأن أبا كثير الهذلي إما عناك بقوله:
وإذا نظرت إلى اسرّة وجبه ... برقت كبرق العارض المتهلل
وفي الجملة فقد كان رسول الله ﷺ من الحسن في الذروة العليا وروى بعض الصحابة لقي راهبًا فقال: صف لي محمدًا كأني أنظر إليه فإني رأيت صفته في التوراة والإنجيل. فقال: لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصر فوق الربعة أبيض اللون مشربًا بالجمرة جعد الشعر ليس بالقطط جمته إلى شحمة أذنه صلب الجبين واضح الحد أدعج العينين أقنى الأنف مفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة وجهه كدائرة القمر فأسلم الراهب وكان ﷺ مع هذا الحسن قد ألقيت عليه المحبة والمهابة فمن وقعت عليه عيناه أحبه وهابه وقد كمل الله سبحانه له مراتب الكمال ظاهرًا وباطنًا فكان أحسن خلق الله خلقًا وخلقًا وصورة ومعنى وهكذا كان يوسف ﵊. قال ربيعة: قسم الحسين نصفين فبين سارة ويوسف نصف الحسن ونصف الحسن بين سائر الناس وفي الصحيح عنه ﷺ أنه رأى يوسف ليلة الإسراء وقد أعطى شطر الحسن وكان النبي ﷺ يستحسن أن يكون الرسول حسن الوجه حسن الاسم وكان يقول إذا أبرد تم بريدًا فليكن حسن الوجه حسن الاسم وقد روى الخرائطي من حديث ابن جريج عن أبي مليكة يرفعه من آتاه الله وجهًا حسنًا واسمًا حسنًا وجعله في موضع غير شائن له فهو من صفوة الله من خلقه. وقال وهب: قال داود يا رب أي عبادك أحب إليك. قال: مؤمن حسن الصورة. فقال أي عبادك أبغض إليك قال: كافر قبيح الصورة ويذكر عن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ كان ينتظره نفر من أصحابه على الباب فجعل ينظر في المرآة ويسوي شعره ولحيته ثم خرج إليهم فقالت: يا رسول الله وأنت تفعل هذا. فقال نعم: " إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليجملن نفسه فإن الله جميل يحب الجمال " وقال معاوية لرجل دخل عليه فرى في وجه ما يكرهه مما يمكن إزالته ما يمنع أحدكم إذا خرج من منزله أن يتعاهد أديم وجهه.
1 / 16