Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Genres
ولم يقلها مقترحا ولا حالما، بل قالها مفتتحا وعاملا، وشفع دعوته إلى العلم بإقامة المعهد الذي يتعلم فيه طالب العلم، وإبانة الطريق لمن يتوجس من أعمال التجارة وأعمال الشركات والمصارف في العصر الحديث.
فلم تكن الباكستان حلما كلها، ولا طفرة كلها، ولكنها لم تكن لتكون بغير الحلم الذي استخف به الجامدون المترددون، وبغير الطفرة التي قالوا عنها إنها «مستحيل».
ونحسبها «أدوارا» أو شخصيات تتكرر في كل نهضة واسعة النطاق بعيدة الآفاق، فلا غنى في جميع هذه النهضات عن رسل الحماسة والأمل، ولا عن رسل الروية والعمل، ولا استثناء لنهضة واحدة من هذه الشريعة الخالدة: طفرة تصاحبها فكرة، وأمل يقترن به عمل، ثم لا استحالة ولا مستحيل.
كان جمال الدين الأفغاني ينطلق كالعاصفة الثائرة بين أرجاء العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وكان يبذر بذور الثورة حيث حل وحيث رحل كأنه كان يحملها معه في علبة السعوط، وكان معه إمام عظيم لا يقل عنه في القوة والهمة وهو محمد عبده تلميذه الكبير، ولكنه كان يخالفه في الطريقة وكان يرى على الدوام أن تعليم عشرة من المريدين يعلم كل منهما عشرة من أمثاله ينفع العالم الإسلامي حيث لا تنفعه الثورة العاجلة والهجوم السريع، فكان أستاذه وصديقه يجيبه بلسان العطف تارة ولسان المؤاخذة تارة أخرى: أنت مثبط ... أنت مثبط يا بني، فهلم إلى الدعوة، هلم إلى الفلاح!
لم يخطئ جمال الدين.
ولم يخطئ محمد عبده.
ولكن المطلب عظيم لا يدركه من يطلبونه من طريق واحد، فلا بد من الغيرة الملتهبة ولا بد من العمل الثابت، ومع هذين لا طفرة ولا مستحيل في عظائم الأمور.
الفصل الثامن والثلاثون
خواطر في الجمهورية
الناس جمهوريون، ما لم يعرض لهم عارض قاهر فهم إذن ملكيون.
Unknown page