Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Genres
وكانت مستحيلة لأسباب نفسية وحيوية؛ لأن الأمم - كما يقولون - تخلق ولا تصنع، وكل أمة تلفق كيانها من البعيد والقريب وتقتلع جذورها من جهة وتغرسها في جهة أخرى فهي عرضة لجرائر ذلك التلفيق.
كانت على الجملة مستحيلة لكل سبب ولم تكن ممكنة لسبب واحد، فإذا بأسباب الاستحالة كلها تزول، وإذا بأسباب الإمكان كلها توجد من سبب واحد لم يكن جديرا عندهم بالجد والنظر، وهو وجود الباكستان في قلوب أبنائها وإيمانهم بإمكانها، فكانت في عالم المكان والزمان؛ لأنها كانت قبل ذلك في عالم الإيمان.
كانت طفرة، ولكنها لم تكن مستحيلة؛ لأنها كانت طفرة عند من يكرهون قيامها أو عند الذين يحبون قيامها ولكنهم يتهيبون ويترددون، أما الذين وجدوها في نفوسهم حقيقة حية لا تموت فقد جعلوها سحرا ملموسا يصدق عليه قول البحتري:
يغتلي فيها ارتيابي حتى
تتقراهم يداي بلمس
فأمسى الليل وهي حلم وأصبح الصباح وهي عيان يتملاه اليقظان.
لا تستحيل الطفرة إذن كما يقول الجامدون والمترددون، ولكنها في الواقع لم تكن طفرة؛ لأنها لم تخلق من الحلم وحده، بل خلقت بالأمل والعمل والصبر والانتظار إلى اليوم الموعود.
ربما ولدت الباكستان قبل مولدها بنيف وسبعين سنة، وربما كان مولدها مع مولد عليكرة في سنة واحدة، وقد ولدت عليكرة سنة 1875، وتخرج منها الأقطاب الذين حملوا الباكستان في مهدها، وهم رجل يتولى أمورها الآن وهو السيد «لياقت علي خان».
كان خروج الإنجليز من الهند أمرا مقدرا في بصيرة الرجل العظيم الذي وضع أساس التعليم الحديث والتعليم العالي لأبناء الهند المسلمين، ونعني به السيد «أحمد خان».
كان المسلمون هم أصحاب الثقافة وأصحاب المناصب التي يتولاها المثقفون يوم كانت الثقافة قائمة على العلوم العربية والفارسية، ويوم كانت الدولة في أيدي «بابر وأرانزيب» ونظرائهم من سلاطين المسلمين، فلما دخل الإنجليز الهند أصبحت معرفة الفارسية أو الأردية أو العربية لا تغني صاحبها في الوظيفة كما تغنيه معرفة الإنجليزية، وأصبحت معرفة الإنجليزية تستفاد في مبدأ الأمر من مصدر واحد وهو مدارس المبشرين، فأحجم عنها المسلمون وأقبل عليها غير المسلمين، وعلم السيد «أحمد خان» أن العاقبة ضياع لقومه إن لم يتعلموا ويعملوا في الدواوين والأسواق، فأهاب بهم سائلا: متى خرج الإنجليز من الهند فمن يحكمكم وأنتم لا تتعلمون؟ ومن يبرز منكم في المجتمع القومي وليس في أيديكم من مرافق البلاد غير القليل؟ ... تعلموا واعملوا في التجارة والصناعة، وإلا فمصيركم إلى الضياع.
Unknown page