133

Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

Genres

أما المواريث فمنها ما بينه الكتاب ومنها ما بينته السنة واجتهاد الأئمة، وكلها جارية على احترام نظام الأسرة وقوامة الرجل على من يعولهم من النساء والأطفال.

وحكم الإسلام في القروض معروف، فهو يبيح القرض الحسن ويأمر بكتابة الوثائق بالديون:

يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل . ويصرح القرآن الكريم في غير موضع بتحريم الربا:

يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون . وقد فصل الفقهاء أنواعه المحرمة على اختلاف بينهم في التشديد والترخيص.

وقد عرف الإسلام نظام الإقطاع في الأرض وفي جباية الأموال، وكان تعمير الأرض شرطا لامتلاكها، فلما أقطع النبي - عليه السلام - أناسا من مزينة أرضا ليعمروها فأهملوها، وجاء قوم من جهينة فعمروها، حكم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بملكها للجهنيين وقال: «من كانت له أرض ثم تركها ثلاث سنين لا يعمرنها، فعمرها قوم آخرون، فهم أحق بها.»

أما الإقطاع - أو على الأصح الالتزام في جباية الأموال - فمثله ما رواه المقريزي ، حيث قال: «إن متولي خراج مصر كان يجري في جامع عمرو بن العاص من الفسطاط في الوقت الذي تتهيأ فيه قبالة الأراضي وقد اجتمع الناس في القرى والمدن، فيقوم رجل ينادي على البلاد صفقات صفقات، وكتاب الخراج بين يدي متولي الخراج يكتبون ما انتهى إليه مبالغ الكور والصفقات على من يتقبلها من الناس، وكانت البلاد يتقبلها متقبلوها بالأربع سنين لأجل الظمأ أو الاستبحار أو غير ذلك، فإذا انقضى هذا الأمر خرج كل من يتقبل أرضا وضمها إلى ناحيته، فيتولى زراعتها وإصلاح جسورها وسائر وجوه أعمالها بنفسه وأهله ومن ينتدبه لذلك، ويحمل ما عليه من الخراج في إبانه على أقساط ويحسب له من مبلغ قبالته وضمانه من تلك الأراضي ما ينفقه على عمارة جسورها وسد ترعها وحفر خلجها بضرابة مقدرة في الخراج، ويتأخر من مبلغ الخراج في كل سنة في جبهات الضمان والمتقبلين.»

هذه خلاصة شديدة الإيجاز لمجمل الأحكام التي دخلت بالنص والاجتهاد في نظام الدولة الإسلامية، مما يعرف اليوم باسم النظم المالية أو الاقتصادية.

وقد زعم بعض المؤرخين المحدثين أن الدولة الإسلامية قد أصابها الوهن والانحلال؛ لأنها لم تجر على «سياسة اقتصادية» مقررة، ولكنه كلام يلقى على عواهنه، ويرجع الخطأ فيه إلى قياس الحاضر على الماضي بغير نظر إلى العوامل المختلفة بين الزمنين، فنحن اليوم نعرف نظام الباب المفتوح والدولة المفضلة والحماية الجمركية أو حماية الصناعة الوطنية، كما نعرف التأميم وتنظيم الإنتاج الصناعي لأسباب لم يعهدها الأقدمون في سياسة الدولة أو السياسة القومية العامة.

فلم يكن عندهم نظام رأس المال الذي شاع في العصر الحديث مع شيوع الصناعات الكبرى، ولم تكن عندهم هذه الآلات الضخام التي تغزو الأسواق بمصنوعاتها ويقوم عليها تنافس الدول على فتح الأسواق أو إغلاقها، ولم تكن في العالم عشرات الأمم المستقلة التي تختلف عندها مصادر الثروة بين الزراعة والصناعة، أو بين الزراعة التي تخرج الأطعمة والزراعة التي تخرج الخامات لهذه الصناعة أو تلك من أنواع الصناعات الكبرى.

لم يكن عند الأقدمين قبل القرن الثامن عشر شيء من هذه العوامل الاقتصادية، فقيام الدول في العهد القديم لم يكن منوطا بسياسة خاصة من السياسات التي خلقتها العوامل الاقتصادية التي أشرنا إليها، وإنما كانت تقوم أو تسقط حسب اقتدارها على الاضطلاع بمهام الحكومة العامة التي تطلب من جميع الحكومات وهي تأمين الرعية وحراسة الطرق وفتح الأبواب للتجارة وتيسير الوسائل لري الأرض والانتفاع بمحصولاتها، واجتناب المظالم التي تزعزع الثقة وتوقع الشك في نتائج التعمير والتثمير.

Unknown page