Dhu Nurayn Cuthman Ibn Caffan

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
74

Dhu Nurayn Cuthman Ibn Caffan

ذو النورين عثمان بن عفان

Genres

ونما خبر هذا الشغب إلى عثمان؛ فأذن لسعيد في إخراجهم إلى الشام، وكتب إلى معاوية: «إن نفرا قد خلقوا للفتنة فأقم عليهم وانههم، فإن آنست منهم رشدا فاقبلهم، وإن أعيوك فارددهم علي.»

فلما قدموا على معاوية أنزلهم كنيسة مريم وأجرى عليهم ما كان لهم بالعراق، وكان يتغدى ويتعشى معهم ويحادثهم ويستخبرهم عن شكاتهم عسى أن يقنعهم، فقال لهم في بعض الأحاديث: بلغني أنكم نقمتم قريشا، ولو لم تكن قريش كنتم أذلة. إن أئمتكم لكم جنة فلا تفترقوا عن جنتكم، وإن أئمتكم يصبرون لكم على الجور ويحتملون منكم المئونة. والله لتنتهن أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم السوء ولا يحمدكم على الصبر، ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد وفاتكم.

قال رجل منهم - وهو صعصعة: أما ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا، وأما ما ذكرت من الجنة فإن الجنة إذا اخترقت خلصت إلينا.

قال معاوية: عرفتكم الآن. وعلمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول، ثم قال لصعصعة: أنت خطيبهم ولا أرى لك عقلا ... أعظم عليك أمر الإسلام وأذكرك به وتذكرني الجاهلية.

وطالت اللجاجة بينه وبينهم فأجمع رأيه على إخراجهم بعد الكتابة إلى الخليفة، وكتب إليه يصفهم ويقول عنهم: ... قدم علي أقوام ليست لهم عقول ولا أديان، أضجرهم العدل لا يريدون الله بشيء، ولا يتكلمون بحجة، إنما همهم الفتنة وأموال أهل الذمة، والله مبتليهم ومختبرهم ثم فاضحهم ومخزيهم، وليسوا بالذين ينكون أحدا إلا مع غيرهم، فانه

2

سعيدا ومن عنده عنهم، فإنهم ليسوا لأكثر من شغب ونكير.

وخرجوا قبل أن يخرجهم معاوية من الشام؛ فقصدوا إلى الجزيرة ولم يعودوا إلى الكوفة اتقاء الشماتة بهم، وسمع بهم والي حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد؛ فاستدعاهم منذرا متوعدا وقال لهم: يا آلة الشيطان، لا مرحبا بكم ولا أهلا ... خسر والله عبد الرحمن إن لم يؤدبكم. يا معشر من لا أدري أعرب هم أم عجم لا تقولوا لي ما بلغني أنكم قلتم لمعاوية. أنا ابن خالد. أنا ابن من قد عجمته العاجمات. أنا ابن فاقئ الردة ... والله يا صعصعة ... لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى.

ثم أقامهم شهرا كلما ركب مشاهم معه، وخافوه فاستقالوه وأعلنوا له توبتهم، وسرح أحدهم - وهو الأشتر - إلى عثمان فخيره عثمان أن يحل حيث شاء، فاختار العودة إلى ولاية عبد الرحمن.

وجرى في البصرة ما كان يجري في الكوفة من أشباه هؤلاء الروادف، وكان في بعض قرى الولاية قاطع طريق يسمى حكيم بن جبلة العبدي يصاحب الجيش، ثم يخنس عنه ويغير على أهل الذمة، فشكاه أهل الذمة ورؤساء المسلمين إلى عثمان؛ فكتب إلى ابن عامر والي البصرة أن يحبسه ومن كان مثله فلا يخرجن من البصرة «حتى تأنسوا منهم رشدا» فحبسه وتعقب خبره، فجاءه النبأ ذات يوم أن رجلا يدعى ابن السوداء نزل عليه وأخذ يصرح له ولأمثاله بالطعن في عثمان وخلافته، فدعا بابن السوداء هذا فإذا هو عبد الله بن سبأ، يهودي من أهل اليمن يقول برجعة النبي إلى الدنيا ويظهر التشيع لعلي، فسأله ابن عامر: من أنت؟ قال: رجل من أهل الكتاب رغبت في الإسلام وفي جوارك. ثم أخرجه من البصرة لما علم من لياذه بالمفسدين فيها، فذهب إلى الكوفة يلوذ فيها بأمثال حكيم بن جبلة فأخرج منها، وذهب إلى مصر فجعل يكاتب من تركهم في البصرة والكوفة. وأوى بمصر إلى حمران بن إبان وهو رجل موتور من عثمان، كان قد تزوج امرأة في عدتها؛ ففرق عثمان بينهما وضربه وسيره إلى البصرة، فسعى هناك في وقيعة بين الوالي ورجل من النساك، وافتضح كذبه عليه؛ فأخرج من البصرة، وذهب يتردد بين الشام والحجاز ومصر، فلقيه فيها ابن السوداء وأوى إليه وأدخله معه في مكاتباته وسعاياته، وكثرت السعاية بين أهل الأمصار من الروادف وأشباههم، فمن نزل منهم بالشام أرضاه معاوية أو أخرجه، ومن تحول عنها كاتب غيره للاجتماع في مكان لا رقابة عليهم فيه.

Unknown page