Dhu Nurayn Cuthman Ibn Caffan
ذو النورين عثمان بن عفان
Genres
وافيتها بنت عظيم قدرا
بنت نبي قد أشاد ذكرا
قال عثمان: «فعجبت من كلامها وسألتها: يا خالة، ما تقولين؟!» قالت: «يا عثمان، لك الجمال ولك اللسان، هذا نبي معه البرهان، أرسله بحقه الديان، فاتبعه واهجر الأوثان.» واستزادها قائلا: «يا خالة، إنك لتذكرين شيئا ما وقع ذكره في بلدنا فأبينيه لي.» قالت: «محمد بن عبد الله رسول من عند الله، جاء بتنزيل الله يدعو إلى الحق والهدى.»
ويقال: إن عثمان إنما ذهب إلى أبي بكر بعد ما سمعه من خالته، فرآه أبو بكر مفكرا فسأله، وجرى بينهما بعد ذلك ما تقدم من النصيحة والاستجابة على ما اتفقت به الروايات.
ونحن نسقط من حسابنا ما روي من كلام الكاهنة؛ لأنه ضعيف السند لا يبقى منه إلا أن خالة لعثمان كانت تتكهن وتتعبد، وأن مسألة الدين في بيته كانت شغلا شاغلا لمن يأخذه على العصبية والعناد أو يأخذه على العبادة والتقوى، فما نظن أن رجلا في الثلاثين - وهي سنه عند إسلامه - كان يعصى آله جميعا، ويطيع شيخة عقاما لو لم يكن في ضميره باعث مطاع إلى الإيمان بالدين الجديد.
وفي وسعنا أن نتخيل غضب قومه الأقربين من إسلامه، فقد كان كأشد غضب لحق مسلما من قومه المقيمين على الجاهلية، ولكنه مع هذا لم يمنع أناسا منهم أن يلوذوا به خوفا على أنفسهم بعد هزيمتهم، ولم يمنع أن يتشفع لهم عند النبي وصحبه ويسأله العفو عنهم، وكذلك نرى أن تاريخ أمية في الجاهلية يحضرنا عند تقدير فضل عثمان في إسلامه، ويحضرنا عند تقدير أعذاره وعلل أعماله التي أخذت عليه بعد ولايته الخلافة؛ فقد كان لتدعيم العصبية وتأليبها شأن قديم في تاريخ هذه الأسرة ألجأها إلى استلحاق الأبناء من الموالي، وإلى تزويج البنين من زوجات آبائهم أو الموالي من زوجات أوليائهم، ولا ندري على التحقيق بم نعلل هذه العادة التي انفردوا بها أو كادوا، إلا أنها قد تعلل بأن القوم لم يكونوا من الخمول بحيث يسكنون إلى خمولهم، ولم يكونوا من العزة الراسخة بحيث يطمئنون إلى عزتهم، وأنهم - وإن لم يعقموا - لم تشتهر عنهم غزارة الذرية في الجاهلية، ولا في الإسلام، وهذه سلسلة ولاية العهد أوشكت أن تنقطع في كل بيت من بيوتهم ولي الخلافة بعد قيام الدولة الأموية، وربما انقرض البيت في جيل أو جيلين وبقي معاصروه من غيرهم عدة أجيال.
وقد انتهت المفاخرة بعد الإسلام بين المسلمين من بني أمية وبين بني عبد المطلب، فما من أموي مسلم كان يتعالى إلى مطاولة آل النبي بالنسب من جانب آبائه عليه السلام خاصة، ولكنهم مع هذا - ولا استثناء لأصدقهم إسلاما كعثمان وصحابة النبي - قد كانوا يودون لو سمعوا عن أمية كلما سمعوا عن هاشم وبنيه. وتقدم أن معاوية سأل دغفلا النسابة عن أمية بعد سؤاله عن عبد المطلب، وابن أبي الحديد يروي مثل هذا عن عثمان في أيام خلافته، وأنه رضي الله عنه تمنى رجلا يحدثه عن الملوك وسير الماضين؛ فذكروا له رجلا بحضرموت، فكان مما سأله عنه: أرأيت عبد المطلب؟ قال: «نعم، رأيت رجلا قعدا أبيض طوالا مقرون الحاجبين بين عينيه غرة يقال إن فيها بركة، وأن فيه بركة.» فعاد يسأله: «أفرأيت أمية؟» قال: «نعم، رأيت رجلا آدم دميما قصيرا أعمى يقال: إنه نكد. وإن فيه نكدا.» قال عثمان: «حسبك من شر سماعه وصرف الرجل.»
ولا ينبغي أن ينسى العذر حيث يذكر الفضل للرجل من سوابق آله وذويه.
الفصل السادس
نشأته وشخصيته
Unknown page