Dhu Nurayn Cuthman Ibn Caffan
ذو النورين عثمان بن عفان
Genres
أما مقتل عثمان عليه الرضوان فلم تكن فيه حرب بين قوة الدولة وقوة الأمة، ولم تتقابل فيه قوى الحكومات الإسلامية وقوى الأمم في البلاد العربية وغير العربية، وغاية ما يوصف به أنه «حادثة محلية» قد تتم على أثر مشاغبة جامحة من مشاغبات الدهماء، وقد يستطيعها ابن السوداء ومن هو أقل من ابن السوداء.
وعلى سبيل الإيجاز الذي يغنينا عن الإسهاب في المقارنة والمناقشة نقول: إن عثمان رضي الله عنه ما كان ليقتل لو كانت داره محروسة حراسة الدور التي يقيم فيها ولاة الأمور، إن هذه الجمهرة التي اقتحمت داره واجترأت عليه بالسلاح ما كانت لتقتل واليا من ولاته - كمعاوية بن أبي سفيان في الشام مثلا - لو أنها هجمت على داره بين حرسه وأجناده، فلا محل هنا للموازنة بين قوى الدولة وقوى المشاغبة أو الفتنة، ولا محل كذلك للموازنة بين عوامل الانقلاب السياسي وعوامل الدفاع عن شخص الخليفة في داره، فكل عوامل الانقلاب لم يكن من الحتم أن تؤدي إلى مقتل الخليفة ولو بلغت أضعاف ما كانت عليه، وقد كانت المشاغبة التي جنت جنايتها على حياة الخليفة كافية لاجتراح هذه الفعلة، ولو لم يكن وراءها كل عوامل التطور التي كانت تتجمع هنا وهناك في تلك الفترة الفاجعة، وقد بقيت عوامل التطور وازدادت بعد انتهاء عهود الخلفاء الراشدين وقيام الملك الموروث، فلم ينجم عنها مقتل ملك أو وال من كبار الولاة في بقاع الدولة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها. •••
فمن الواجب إذن عند إحصاء الأسباب والتبعات، والكلام عما يستطاع وعمن يستطيعه أن نفرق بين الحادثين، وأن نرجع بالتطور السياسي إلى أسبابه وعوامله التي تبلغ ما تبلغ ولا يلزم منها أن تؤدي إلى مقتل ولي الأمر في عاصمته، وأن نرجع بمقتل ولي الأمر إلى أسبابه وعوامله التي قد تحدث مع ذلك التطور، وقد تحدث منفصلة عنه في كل طور من أطوار القلق والتذمر، مما يدوم أو ينقضي بانقضاء آونته ثم لا يعود في عصره.
الفصل الرابع
أسباب ولا أسباب
على أن الأسباب التي ذكرت للحادثين جميعا لا تزال في حاجة إلى إعادة نظر؛ لأنها إما أسباب مزعومة يراد بها غير ظاهرها، أو يجتهد بها المجتهدون بغير روية في مواردها ومصادرها، وإما أسباب صحيحة ولكنها لم تفعل فعلها إلا لاقترانها بأحوال تلك الفترة، ولو جاءت في فترة أخرى؛ لما كان لها ذلك الأثر.
خذ لذلك مثلا أسباب الفتنة كما ذكرها معاوية لابن الحصين. سأله حين وفد عليه: «ما الذي شتت أمر المسلمين وخالف بينهم؟» قال ابن الحصين وكأنه أراد أن يوافق هواه: «قتل الناس عثمان!» قال معاوية: «ما صنعت شيئا»، فعاد ابن الحصين يقول: «فمسير طلحة والزبير وعائشة وقتال علي إياهم». قال معاوية مرة أخرى: «ما صنعت شيئا»، فقال الرجل: «ما عندي يا أمير المؤمنين». قال معاوية: «فأنا أخبرك أنه لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم إلا الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر؛ وذلك أن الله بعث محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فعمل بما أمره الله به ثم قبضه الله إليه، وقدم أبا بكر للصلاة فرضوه لأمر دنياهم؛ إذ رضيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لأمر دينهم، فعمل بسنة الرسول وسار بسيرته حتى قبضه الله، واستخلف عمر فعمل بمثل سيرته، ثم جعلها شورى بين ستة نفر، فلم يكن منهم رجل إلا رجاها لنفسه ورجاها له قومه ... ولو أن عمر استخلف عليهم كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف.»
كذلك روى ابن الحصين عن معاوية، وجاء أناس من ذوي النظر في الحكمة والتاريخ فقالوا بما قال به معاوية، ومنهم محمد بن سليمان المتفلسف فيما رواه عنه ابن مكي الحاجب. قال ما فحواه: إن اختيار الستة من أهل الشورى ليكون الخليفة واحدا منهم بعد مقتل الفاروق قد جعل كلا منهم يشرئب إليها ويعلم أنه أهل لها، وكان أشدهم عملا لها وكيدا لعثمان طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي الملقب بطلحة الجود، فهو من أبناء عمومة أبي بكر، محبوب لسخائه وشجاعته وسبقه إلى الإسلام، وكان ينافس عليها الفاروق فضلا عمن جاء بعده، ويرى أن أبا بكر كان خليقا أن يكلها إليه، وأنه إذا فضل عليه فليس بعد عمر من يفضله، وأعانه الزبير؛ لأن منافسة علي وعثمان إذا وليا الخلافة أشق عليه من منافسة طلحة إذا هي آلت إليه.
Unknown page