ما فيهم إلا فتى ابنه
إمام حق وأبوه إمام ولد -عليه السلام- [نهار السبت] لليلتين مضتا من شهر محرم سنة ست وثمانين وثمانمائة، بمشهد الهجرة الهادوية بوادي فللة، وقد تقدم ذكر أمه في آخر سيرة والده -عليه السلام-، نشأ في حجر الخلافة الطاهرة، وسلك في مسالك الرافضين للدنيا إلى الآخرة، واشتغل بالطلب حتى فاز بالعلوم الزاخرة، وأحرز معانيها الغامضة والظاهرة، بأنظار سديدة ثاقبة باهرة، حتى تردى بثياب الإمامة الفاخرة، وفاق وراق الأمم الأولة والآخرة، وكانت قراءته -عليه السلام- على مشايخ عدة، وأكثر قراءته على والده الناصر [لدين الله] -عليه السلام-، وعلى حي الفقيه العلامة وجيه الدين عبد القادر بن حسين الذماري، وكان حاله -عليه السلام- في مدة والده وبعد وفاة صنوه السيد العلامة صارم الدين كحال والده -عليه السلام- في مدة الإمام عز الدين في تولي أكثر أعماله، والتزيي بمحاسن خلاله، وكفايته له في جل الأمور، والنظر في أحوال الجمهور، ولم يزل متأهلا للطالبين، وقائما بأمور المسلمين، ملحوظا بعين الكمال من بين أعيان الصالحين والعترة الطاهرين، مرجوا للقيام بأمر الأنام، معروفا بالسداد في الإقدام والإحجام، مشهورا بالكرم الجم إذا شح الغمام، وكانت دعوته -عليه السلام- عقيب موت والده أعاد الله من بركاته، وذلك أنه كان وقت الوفاة بيسنم، ولما وصل دعا اليوم الثالث من وفاة والده وهو يوم الجمعة ثاني عشر شهر شعبان [الكريم] من سنة تسع وعشرين وتسعمائة، والسبب الباعث على تعجيل نشر الدعوة الميمونة، التي هي بأنواع الصلاح مقرونة، الحاوية لأبكار الخير وعونه، ما ظهر بعد وفاة والده من انضراب الأمور، وتغير حال الجمهور، وتغور كواكب الحق بعد الظهور؛ لأنها أظلمت الأرض لوفاة والده وذهابه، وكادت أن تميد لموته ومنتابه، وتغيرت الأحوال لأفوله وانجيابه، وكربت السماء أن تمور كما قال تعالى في كتابه.
Page 168